نستطيع أن نبخل به لحماية النساء من كل شر، ووقايتهن من كل وزر، كلا، للمرأة على الحضارة فضل عظيم، وهو أنها لم تنشئها وإنما أحتملتها، ولم تقترف إثمها وإنما خففت هذا الإثم وهونت علينا احتمال أثقاله، وأعانتنا على ما تكلفنا الحضارة في كل يوم من البأساء والضراء، أليس هذا خير من إيثار السبق، وهذه الرغبة في التفوق التي تظهرها المرأة في هذه الأيام، وأغرب من هذا أن الآنسة مي تحدثت إلينا أمس بأننا مدينون للمرأة وللمرأة وحدها باعتدال القامة، واستقامة القدود، والمشي على رجلين بعد أن كنا نمشي على أربع! ومع أنني لا اعرف كيف استطاعت المرأة أن تقوم قاماتنا وتعدل قدودنا وتقيمنا على رجلين بعد أن كنا نمشي على أرجلنا وأيدينا، مع أني لم اعرف هذا، ولن أستطيع أن اعرفه فيما يظهر لأني لم أفهم نظريات التطور، وأنا يائس من فهمها بحمد الله، فإني قد غمرتني الحيرة أمس حين سمعت هذا الكلام، فهل كنا نمشي على أربع بعد أن هبطنا إلى الأرض؟ أم هل كنا نمشي على أربع قبل أن نخرج من الجنة؟ فان تكن الأولى فلم مسخ آباؤنا، وقد كان أبونا آدم وأمنا حواء يمشيان على رجلين لهما قامة معتدلة وقد مستقيم، وان تكن الثانية فلم يكن إذن أبوانا على صورتنا هذه التي نعرفها، إنما كانا يمشيان على أربع، لم يكن رأساهما إلى السماء، إنما كان رأساهما إلى الارض، فنحن خير منهما حالا، وأجمل منهما شكلا من غير نزاع، ومصدر هذه الحيرة فيما يظهر هو أن الآنسة (مي) أرادت أن تجمع بين العلم والدين، وما أصعب الجمع بينهما في كثير من الأحيان! فالدين فيما يظهر لا يرضى لنا أن نكون من نسل القردة، والعلم أو بعض العلم على أقل تقدير لا يكره أن نكون من نسل القردة أو غير القردة من الحيوان، والآنسة (مي) تريد أن نكون من نسل القردة وان نكون من نسل آدم وحواء، وليت شعري كيف كان شكل آدم وحواء في رأي الذين يريدون أن يجمعوا بين الدين وبين مذهب أصحاب التطور؟ أما أنا فقد قلت وما زلت أقول، أني لم أفهم نظرية التطور وليس يعنيني أن أفهمها لأني أوثر أن أكون من سلالة رجل خلق معتدل القامة مستقيم القد يمشي على رجلين، أوثر ذلك على أن أكون من سلالة القرد أو غيره من الحيوان الذي يمشي على أربع، وينظر إلى الأرض لا إلى السماء، ولعل أجمل ما كان في المحاضرة آخرها، ` وهو هذه الأسطورة المصرية الجميلة التي تحدثنا بأننا مدينون لحياة لامرأة هي ايزيس التي بكت فجرى من دموعها النيل، هذا عندي أجمل