النهار، فإن لم تفعل أصيبت بضيق عظيم، وغم شديد، إنني أشعر بعبء ثقيل يرزح فوق صدري، ويكاد يحبس عني الأنفاس، ويحطم مني الضلوع. من الشقاء والتعاسة أن تملك المرأة لبناً بهذه الغزارة والكثرة
فأجابها الفتى بنغمة الموافق الآسف:
- حقاً إنه من الشقاء يا سيدتي. . . إن هذا اللبن يقض مضجعك ويزعجك دون ريب. . .
وفي الحق كانت تبدو على محياها إمارات المرض، ويظهر في عينيها بريق التعب والإعياء. ثم جمجمت في صوت خفيض:
- يكفي أن يضغط المرء ثديي قليلاً كي يتفجر منه اللبن، كما لو كان ماء ينبجس من نبع، حقاً إن هذا منظر مروع، حتى أن المرء لا يكاد يصدقه لمجرد السماع، وفي (كازال) يتقاطر الناس عليّ كي يروا ثدييّ
- أحقاً ذلك؟
- أجل، إن هذا حق، لا غبار عليه، ولا لبس فيه، وسأريكهما، غير إن هذا لا يفيدني في شيء، لأني لن أستطيع أن أفرغ شيئاً من محتوياتهما على هذه الصورة
قالت ذلك وسكتت من جديد
ووصل القطار بعد حين من الوقت، إلى إحدى المحطات، فوقف عن المسير. وكان في المحطة - خلف الحاجز القائم بين القطار والجمهور - امرأة هزيلة الجسم، رثة اللبوس، تحمل بين ذراعيها طفل يبكي
ووقع نظر المرضع على المرأة؛ فقالت بصوت تمثل فيه اللطف والإشفاق والرحمة:
- هذه امرأة يمكنني أن أخفف عنها ما تعاني من ضيق، كما أن الطفل بإمكانه أن يخفف عني هذه الأثقال التي ينوء بها صدري. اسمع يا صديقي لست غنية - لأني أترك منزلي وذوي وابني الأصغر، كي أعمل كمرضع، بعيدة عن الوطن والأهل - ولكني على استعداد لدفع خمسة فرنكات في سبيل الحصول على هذا الطفل وإرضاعه مدة عشر دقائق؛ إن هذا دون ريب بعيد الهدوء والسرور إلى نفسينا. يخيل إلي أني سأبعث من جديد حين أفعل ذلك، وإن الحياة ستسري في عروقي
قالت ذلك، ولجأت إلى أحضان الصمت تعتصم به من جديد وأخذت تمسح بيدها اللاهبة -