الارتجال والإثارة، وإيقاظ الهمم وصب الحمم، ولكن من الناس من يعقد الحسد ألسنتهم عن شهادة الحق.
أستغفر الله فما أحب الفخر، ولكني اضطررت فقلت، وهل أسكت إذا سكت الناس عن بيان حقي؟
إن للمظلوم كلمة وهذه إحدى كلماتي، فإن كانت فخراً فقديماً كان الفخر من فنون الأدب العربي، وإلا فهي ذكرى وتاريخ لأخلاق الناس وأطوار المجتمع.
وكيف أنسى أني بين ماضٍ أضعت فرصه ونسيت ذكرياته وفقدت فيه ذخراً من العواطف الجياشة والشعور المضطرم، وحاضر بددت أيامه بالرجوع إلى الماضي، وصرفت بكره وعشاياه في نبش الذكريات والبحث في أطلالها عن الجواهر والكنوز. . . فما كان إلا أن دفنت فيها كنز حياتي وجوهر عمري - ومستقبلاً لم اعد أرجو منه شياً، لأني يئست من أن ينتابني منه خير.
ومن يصدق أني أتمنى لو كنت غبياً جاهلاً عيياً لأستريح وأهنا، لأني وجدت الذكاء يدفع إلى الألم ويؤدي إلى الشقاء؛ وأني لأهمل القراءة عمداً كي أنسى ما علمت فأغدو جاهلاً فلا آلم إن تقدمني الجهال من أمثالي، ولا ألوم الحياة على ظلمها إياي، فلا أستطيع، وأراني مدفوعاً إلى الازدياد من هذا العلم. . . كأن القدر يسوقني بعصاه إلى الاستكثار من القراءة فأزداد بذلك علماً فأزداد بالعلم ألماً حين أرى علمي وبالاً علي وأرى الجهال يسبقونني ويسرقون منزلتي؛ ولو أني استبدلت بإحياء الليالي في المطالعة والدرس وثني الركب بين أيدي العلماء رحلة واحدة إلى (تلك) الديار أعود منها بعد شهرين بشهادة اللغة العربية لم تكتب سطورها بالعربية لكان ذلك خيراً لي وأجدى علي من علوم الأرض كلها لو حصلتها. ولكني كرهت أن أتوكأ في سيري إلى غايتي على غير أدبي، ونزهت نفسي عن أن أجعل عمادي ورقة صار يحملها الغبي والعمي والجاهل واللص الذي يسرق مباحث الناس ويسطو على آثارهم. إن عمادي هذا القلم، وإنه لغصن من أغصان الجنة لمن يستحقها، وإنه لحطبة مشتعلة من حطب جهنم لمن كان من أهل جهنم. . .
ولكن ما الفائدة من هذا الكلام؟
ما الفائدة وقد ولى ربيع حياتي، وأدبرت أيامي، واستبدل قلبي بالأصيل المذهب ليلاً حالك