الفتون؟ وما بال بعض الشبان يعرفون سُكْر الخمر وهم على خطر من سكر الشباب؟
أنتم لا تعرفون نعمة الله عليكم، أيها الجهلاء، والجهل هو الشباب في لغة أهل العراق.
من ألفاظ مصر كلمة (الغندرة) والغندرة الحقيقية للشاب هي أن يكون بين الأوائل في الدراسة الابتدائية والثانوية والعالية. الغندرة الحقيقية للشاب هي أن يكون قرة عين لوطنه ولأبويه، ولن يكون كذلك إلا إذا تفوق في جميع الشؤون. الغندرة الحقيقية للشاب هي أن يفوز فوزاً مطلقاً بثقة أساتذته وزملائه بحيث يتقدم إلى معترك الحياة وهو مرفوع الرأس وضَّاح الجبين.
ما بال بعض الشبان يسابقوننا إلى المشارب والملاعب؟
نحن نغشى تلك الأماكن من حين إلى حين لندرس أخلاق الجيل، فلا تكونوا موضوع الدرس، ولا تعرِّضوا سمعتكم لسهام الأقلام، فما يبقى على نوشها أديم صحيح.
إن كان غرّكم أن يتظرف رجلٌ مثلي فيقول إنه دخل الملعب الفلاني أو الحانة الفلانية، فأنا أتحداكم أن تثبتوا أني شربت فنجان قهوة في غير داري قبل أن أظفر بإجازة الدكتوراه أو قبل أن أبلغ الثلاثين.
وما أقوله عن نفسي أقوله عن الأدباء الذين يسيطرون على عقولكم وإفهامكم في هذا العهد. فالدكتور طه حسين في صباه لم يعرف من النعيم غير كرع ماء التين. والأستاذ عباس العقاد لم يعرف في شبابه غير مقارعة الأحاديث في سهرات أسوان، وقد زرته قبل عشرين سنة في دار تواجه المقابر بحيث لا يجد الماء إلا بفضل السقاء. والأستاذ إبراهيم المازني قضى طلائع شبابه في دار جافية لا تعرف الأنس بغير سحالي الصحراء. والأستاذ عبد العزيز البشري شهد على نفسه بأنه كان يتغدى بخمسة ملاليم مع أن أباه كان عمدة حيّ البغالة وكانت إليه مشيخة الأزهر الشريف.
لا تخدعوا، أيها الشبان، بالأدباء الذين يتحدثون عن هواهم الأثيم في باريس، أو غير باريس، فلن يكونوا ألأم مني، ونحن لا نسمح لأحد بأن يكون أحرص منا على الواجب، ولو خطر في البال أن في الشبان من يحاول سبقنا إلى المجد بقوة الكفاح لقطعنا رأسه بلا ترفق، ولو كنت أتوهم أن في أبناء هذا الجيل من يسدّ المسالك في وجهي بالسباق في ميادين الدرس والبحث والتنقيب لطويت عنه هذا النصح، فما أحب أن يكون لي في هذه