وفي اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمة يستعد فريق من الأساتذة المصريين للتوجه لخدمة العلم والأدب في العراق، فأرجو أن يذكروا جميعاً هذه الكلمة الصادقة:
(كما تكون للعراقيين يكونون لك)
فمن أراد أن يظفر بحب أهل العراق فليصدق في حب أهل العراق، وليعرف جيداً أن العلانية قليلة الأهمية، فالمعوّل عليه هو صدق القلوب، فقد كنتُ على جانب من جفاء الطبع حين كنت هناك فما ضرني ذلك بشيء لأن قلبي كان مأهول الجوانب بالصدق في حب أولئك الرجال الصادقين في الحب والبغض، وهم برغم قالة الحجاج أبعد الناس عن الرياء.
ما أذكر أني كلفت نفسي ما لا تطيق في التودد إلى العراقيين وإنما أرسلت نفسي على سجيتها، وعشت في بغداد كما كنت أعيش في القاهرة وفي باريس، وكنت أصادق وأعادي كما أصادق في بلدي وأعادي، فكانت العاقبة ما عرف إخواني في مصر من تواتر العطف عليّ من جميع أهل العراق. والصدق في النصح يستوجب النص على الحقيقة الآتية:
لم أفكر وأنا في العراق إلا في شيء واحد: هو أن أؤدي واجبي تأدية صحيحة لا يؤخذ عليها تقصير أو تفريط، وكنت أشعر في كل لحظة أني مسئول أمام حكومتين: حكومة القاهرة وحكومة بغداد، وأن التهاون في تأدية الواجب يضيّع على مصر مزية عظيمة، هي الثقة بكفاية أبنائها وقدرتهم على النهوض بما ينتدبون له من خدمة العلم والأدب في البلاد العربية.
ويجب أن أسجل أن إخواني العراقيين قد أعانوني على تحقيق هذا الغرض الشريف، فهم الذين خلطوني بأنفسهم، ودعوني إلى الاشتراك في أنديتهم الأدبية والعلمية، وحضوني على المشاركة في توجيه الرأي العام بالمقالات والمحاضرات، حتى استطعت في أشهر معدودات أن أدوّن ألوفاً من الصفحات لم يظهر منها غير ستة مجلدات.
وأعترف بأني كنت أشعر بالغيرة تحزّ في صدري من أربعة رجال سبقوني إلى كسب ثقة أهل العراق، وهم الأساتذة: محمد عبد العزيز سعيد وأحمد حسن الزيات وعبد الرزاق السنهوري وعبد الوهاب عزام، فكان من همي أن أزاحم أولئك الرجال مزاحمة جدية تجعل لي مقام صدق في بلاد الرافدين، وقد وصلت بحُسن النية وبرعاية الله إلى تحقيق ما أردت