وأواجه الأمر بصراحة فأقول: إننا لم نصنع شيئاً يزيد على وضع الأساس للمودة الصحيحة بين مصر والعراق، فلست أنتظر من الأستاذة الذين يخلفوننا هنالك أن يحفظوا ما صنعناه؛ فذلك مطلب سهل المنال، وإنما أرجو أن يمضوا في رفع قواعد البناء بحيث لا تمر أعوام طوال قبل أن يصبح من القضايا المقررة أن لفظة الغربة لم يبق لها مدلول في ذهن عراقي يعيش في مصر، أو في ذهن مصري يعيش في العراق.
ولكن ما جزاء من ينتفع بهذا النصح؟ جزاؤه هو الشعور بأنه رجل نافع، والاطمئنان إلى أنه على جانب من قوة الأخلاق، فليس من القليل أن يستطيع الرجل كسب الثقة بوطنه في بلد مثل الحجاز أو فلسطين أو سورية أو لبنان، والثقة لا تنال في أمثال هذه البلاد إلا بالصدق في الوطنية والصدق في الجهاد.
وقد اتفق لي في بعض الأحايين أن أناوش فريقاً من السوريين واللبنانيين فما ضرني ذلك بشيء، لأن من ناوشتهم يعرفون في ضمائر قلوبهم أني سليم القلب، وأني لا أريد إلا جذبهم إلى الانضمام إلى القافلة العربية بلا تلفت إلى دسائس من يهمهم تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات يذوق بعضها بأس بعض بلا موجب معقول.
ومن حسن الحظ أن تكون البلاد الشامية في طريق من يسافر من العراق إلى مصر، أو من مصر إلى العراق، فتلك فرصة ذهبية لتوكيد المودة بين الأقطار العربية، وبها نستطيع وأد الدسائس التي تحاك في أحلاك الليالي لتمزيق شمل العرب والمسلمين.
وقد شاءت الظروف أن ترى اليمن والمغرب من البلاد البعيدة لقلة رغبتنا في الهجرة والارتحال، فمتى يجيء اليوم الذي تقهرنا فيه المبادئ على التضحية بالأنفس والأموال في سبيل التعرف إلى الأقطار العربية؟
المصري لا ينتقل من وطنه إلا وهو موظف مطمئن إلى أنه سيجد وظيفته حين يرجع، فمتى يُخلق المصري المجاهد الذي يستهين بجميع المنافع في سبيل المبدأ والعقيدة والرأي؟
كنت أتمنى أن أكون ذلك المصري المنشود، ولكن ماذا أصنع وحولي (أكباد تمشي على الأرض) وليس في شريعة الوطنية أو الدين ما يسمح بهجر تلك الأكباد؟
أنا مقيد بقيود من حرير هي أقسى وأعنف من قيود الحديد، فإن تلطّف الله وقبل أن يكون