كان الدكتور طه حسين لم ينس كلمة جافية سمعها من أبيه منذ أكثر من أربعين سنة فأنا لم أنس أن أحد الرؤساء بوزارة المعارف واجهني بالكلمة الآتية:
(في كل موسم لك كتاب جديد، ولك في أكثر الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية مقالات وبحوث، فمتى تشتغل لنا؟)
وكذلك كان الأمر في زيارة المنصورة فلم أدخلها إلا مُثقلاً بواجب تأبى فَداحتُه أن أتلفت إلى ما في رياض المنصورة من غرائب الأزهار والرياحين.
إلى المنصورة، إلى المنصورة.
ولكن كيف؟
كان في مقدوري أن أسير إليها على نفقة الدولة لتأدية بعض الواجبات هناك، ولكني رأيت أن تكون الزيارة على جيبي الخاصّ ليعرف القلب أن له حقوقاً تُذال من أجلها نفائس الأحوال.
وما حق القلب هناك؟ أيكون هو الشوق إلى الصديق أحمد حسن الزيات الذي اتهمه أحد كتاب جريدة الهدف بالفزع إلى المنصورة خوفاً من المعاطب؟
هو ذلك، مع إضافة واجب بسيط سأؤديه للدولة بالمجان.
ولكن هل يخف الزيات لاستقبالي بالمنصورة النجلاء؟
سألقاه مشغولاً بتصحيح تجارب (الرسالة) وسيدعوني إلى معاونته على تصحيح تلك التجارب، وسيرى حُضوري فرصة ترفع بها عن عينيه متاعب الإجهاد.
فإن كان في بلاد المشرق أو بلاد المغرب من يحسُد أدباء مصر على ما وصلوا إليه من نعمة السيطرة الأدبية فليذكر أننا وصلنا إلى تلك النعمة بجهادٍ شاق لم نقدم له من ناضج الوقود غير أقباس العزائم وألفاف القلوب، ونحن مع ذلك نؤمن بأننا لم نصنع غير حفر الأساس، فمتى نرى بأعيننا طلائع الجيل الجديد؟
ومتى نطمئن إلى أن كتّاب اللغة العربية لا يُعدّون بالعشرات وإنما يعدون بالمئات والألوف؟ متى؟ متى؟ الجواب عند أبناء اللغة العربية وهم يزيدون على مائة مليون.
وقد رجعتُ من المنصورة بعافية، لأني لم أبت فيها غير ليلة واحدة، فلم يتسع الوقت لعقابيل الوجد حتى تجرّب حظها في القدرة على تجريح قلب تكسّرت فيه النصال على