للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك وعيونهما متواصلة القطرات وفماهما يفيضان بالبسمات.

وصحا الأطفال على صوت الاخوة فهرولوا إلى الأخ الأكبر، حفاة الأقدام، ليتبادلوا وإياه العناق والقبلات.

وقدمت الأم إلى ابنها طعاماً ولكنه لم يقربه وإنما أقبل على الماء يروي ظمأه منه بأقداح متتالية اختلطت في جوفه بما سبقها من الجعة والنبيذ

وبعد لحظات لم تطل ردد الممر أصوات خطى متزنة تقترب. . . إنه الأب الحانق

واندفعت الأم تهمس لولدها: (أسرع يا ولدي بالاختفاء حتى أوضح له الأمر على مهل). وهكذا حثته على الانزواء بدل أن تفخر بالظهور إلى جانبه لو كان قد عاد. . . رجلاً

وحين دخل الأب وجدها تطرز ويدها ترتعد، فقد نسي الابن قبعته فوق المائدة. . . وأبصر الرجل كل شيء فأدرك ووعى، فلم يعد ينفع الإنكار! وبقبضته الغليظة أطاح بالقبعة إلى الأرض وركلها بقدمه صائحاً:

(أين هو. . . كريستيان. . . كريستيان. . .)

تقدم الابن ذاهلاً يكسو وجهه الاصفرار، لا يكاد يقوى على المسير. . . ثم لم يلبث أن تراجع متخاذلاً بينما ارتمت الأم على زوجها تستعطفه:

(بالله لا تقتله. . . فأنا المذنبة. . . لقد استدعيته حين لم أقو على الفراق. . . اعف عنه ولا تكن قاسياً). واسترسلت في نحيب جاراها فيه الأطفال وهم كالأصنام. . . لا تفهم ولا تعي.

ورمى الحداد ببصره إليها وقد ارتسمت على وجهه تجاعيد الصرامة، فالتقطت نظرته القاسية. . . وقد فقدت الجرأة على البكاء.

رفعت الشمس عن وجهها حجاب الظلام بعد إغفاءة طويلة، والأم المعذبة يقظى لم تغف ولم تغمض لها أجفان. . . بعد أن قضت الليل تنتفض وجلاً من نزوة قد تزين للرجل القضاء على فلذة كبده - ابنها الحبيب - بدافع من الوطنية أو الشرف والكرامة. . . تلك الأشباح التي تهددها في أعز من لها. . . وتوشك أن تفرض عليها ضريبة باهظة.

أما الابن التعس فقد أمضى ليلة لم يكن يخلص منها من حلم مزعج رهيب إلا ليواجه حلماً آخر أكثر إزعاجاً ورهبة. . . حتى فاض الضياء فغمر الكون كله خلا ذلك البيت الذي

<<  <  ج:
ص:  >  >>