الله لقد عاش شوقي مبجلا عالي الاسم، رفيع المنزلة. فلما قبض إلى رحمة الله تعالى أقامت له وزارة المعارف بالاشتراك مع طائفة من أعيان أهل الفضل والأدب حفلة تأبين دعت إليها كبار العلماء والأدباء في الأقطار العربية. وشرفها جلالة الملك المعظم بنائب عن ذاته الكريمة. وقد أقيمت هذه الحفلة في دار الأوبرا الملكية في شهر ديسمبر من السنة التي قبض فيها.
وبعد، فقد تقلب شوقي من أول نشأته في النعمة، وأصاب ما شاء من متع الحياة، ولو قدر لخلق من الناس أن يدركوا كل مناهم، وأن يبلغوا الحياة مدى أشرها، لكان شوقي من أحد هؤلاء
وإذ قد عرفت هذا فلا يتعاظمنك ما ترى من شيوع الترف في شعره، فلا تقع من تشبيهاته، في غير المآسي، إلا على كل فاخر ثمين
صفاته وأخلاقه
كان شوقي ذكيا وافر الذكاء، حيا جم الحياء، لا يتبسط في الحديث إلا إذا خلا له وجه صديق أو صديقين. ولعل بعض ما حمله على هذا أن طلاقة لسانه لا تكافئ فصاحة قلمه، ولا تواتي مطالب عقله، يكره الدخول في زحمة الناس، وينفر من شهود الحفل الجامع؛ إلا أن ينقبض في ركن من ملهى أو ملعب، وادع النفس، هادئ السعي. لا تراه يعنف، وقل أن يستفزه الغضب. عطوف شديد العطف، رحيم كثير الرحمة. ينفر من ذكر المآسي ويفر من رؤيتها فراراً. على أنه مع هذا قد راض نفسه على الصبر على المكروه، ودربها على الرضا بالقضاء واقعاً حيث وقع. فإذا لحقه المكروه راح بذهنه يستخرج من بعض نواحيه خيراً. فان تعذر عليه استراح في النهاية، إلى أن الله تعالى إنما دفع به ما هو أكره.
وهو دائم الاعتداد بما يعتريه من النعماء، فإذا دقت وصغرت جعل يجلها ويعظم، ولو بالتخييل، من شأنها. وعلى الجملة فان هذا الرجل لو انحدرت عنه كل نعمة لعاش من رضاه في أوسع نعمة. وعلى هذا لقد كان من أقل الناس شكوى من زمانه. ولعل أوجع ما شكى فيه قوله
أحرام على بلابله الدو ... ح حلال الطير من كل جنس؟
وهذا قاله وهو منفى من وطنه. ولقد جعل الله النفي من الوطن عديلا للقتل والصلب