نادى ابنته. . . ونادى اثنين من عمال المسرح، وطلب منهما أن يسرعا فيحضرا له نعشاً كانوا يستعملونه في إحدى الروايات، فأحضر العاملان النعش، وطلب عزيز من ابنته أن تنام فيه، وأن تغمض عينيها وقال لها:
. . . موتي قليلاً يا ماما. . .
وابنته، أبوها هو، وأمها فاطمة رشدي، فالتمثيل يجري في دمها وأعصابها. . . نامت في النعش، وتماوتت، بل إنها استطاعت أن تكتم أنفاسها وأن تبعث إلى وجهها صفرة وبرودة، وأخذ عزيز ينظر إليها وهو يقول لها:
- يا حبيبتي يا بنتي. . . الله يرحمك يا بنتي. . . أنا مسكين بعدك يا زوزو. . .
. . . انطلق لسانه بهذا، فسمعته أذناه، فصدقه عقله، فأحسه قلبه، فذرفت الدموع له عيناه. . . بكى، ولم يكن يريد إلا أن يبكي، ودخل إلى المسرح باكياً كما أراد. . .
الرقم القياسي
معروف عند أهل الفن أن الأستاذ نجيب الريحاني هو أشد المخرجين أتعاباً لممثليه، فهو يكثر من البروفات إكثاراً مضنياً حتى ليحفظ ممثلوه أدوارهم حفظاً عن وجه قلب لا عن ظهر قلب. فالممثل منهم بعد أن تتم بروفات الرواية يجد نفسه قد لبس في حياته الخارجية الدور الجديد الذي عهد إليه به، ويجد نفسه يحادث أهله وأصدقاءه في البيت والشارع بالجمل والعبارات التي تضمنها دوره. . .
هذا هو المعروف عند أهل الفن، ولكن الأستاذ عمر جميعي قد وصل إلى رقم قياسي عال جداً في اهتمامه ببروفات (يوم القيامة) فقد حمل ممثليها من أفراد الفرقة القومية على أن يقوموا بها أكثر من ثلاثمائة مرة بدون مبالغة، وليس ذلك لعجز فيه ولا ضعف، فقد شهد كثير من الفنانين الذين يعتد برأيهم وعلى رأسهم الأستاذ منسي فهمي بأن كل الروايات التي أخرجها الأستاذ عمر للفرقة القومية كانت أكثر روايات الفرقة القومية نجاحاً وتوفيقاً. . . وإنما يفعل عمر ذلك (بيوم القيامة) لأنها فتح جديد في عمل الفرقة القومية، فهي الأوبريت الأولى التي تقدمها الفرقة للجمهور، وقد أنفقت الفرقة على إعدادها أكثر مما أنفقت على أي رواية أخرى، وهو يشعر بخطورة هذه الأمانة الملقاة على عاتقه، وهو لذلك يريد ألا تخرج هذه الرواية من بين يديه إلا على أكمل وجه يستطيع تحقيقه. . .