سيقت إليّ من حيث لا أدري! كلا، ولا بعض هذا، لقد سهرت تلك الليلة إلى الصباح في قلق وهم؛ وفي حديث بيني وبين نفسي كله تأنيب وملامة؛ لقد كنت موقناً أنني لست الرجل الذي تؤهله صفاته ليكون حبيباً يلم طيفه بخيال امرأة؛ ولم أكن من الغفلة بحيث أنسى بسهولة حقيقتي التي عشت بها ما فات من أيامي؛ وكنت خائفاً أن يكون قد بدر مني شيء على هوى أشعرها أملاً واخفي عنها حقيقة، فانقادت إليّ مخدوعة وعلى عينيها غشاوة.
بلى، لقد كنت سعيداً بحبها، ولكنني لم أحاول قط أن أشعرها معنى يدنيها إلي ويزيدني حباً إليها؛ وكان ضميري يخادعني حين كنت استمع إلى نجواه في نفسي قائلاً:(لا عليك ملامة إذ كانت تحبك دون أن تطلب إليها!) ويا لها خدعة! وهل زادها حباً لي إلا شعورها بأنها تجد لعواطفها في نفسي استجابة؟. . . وفي مرات كثيرة، كان يثوب إليّ رشادي ويغيب عني هواي، فأهم أن أقول لها وإنها لجالسةٌ بإزائي:(أنظري إليّ! هل ترينني أصلح للحب؟)، ولكني لم أجرؤ في مرة واحدة من هذه المرات أن أقولها؛ لأن هواي كان يغلبني على رأيي؛ فتقول لي نفسي:(أو ليست تراك دون أن تطلب إليها أن تنظر؟).
وحتى يوم أسلمت لي شفتيها وأغمضت عينيها في مثل غشيه الوحي، لم يقع في نفسي إلا أنه عمل منها لا مني، والقبلة المعسولة ما زال يرن صداها في قلبي!
ولكنني مع كل ذلك يا صديقي لم يغب عني قط، أن ذلك عمل لا ينبغي؛ كانت هذه الحقيقة قارة في أعماقي، على الرغم من هوى النفس وخداع الضمير؛ ولم أكن يومئذ أعرف، فكيف لو عرفت؟
. . . ومضت بنا الأيام على ما قدّر لي ولها، لم أحاول أن أسألها شيئاً ولم تحاول أن تخفي عليّ؛ ومع ذلك فقد ظللت دهراً لا أعرف، على غير إرادةٍ مني ولا إرادة منها، ولم تكن في يقيني إلا فتاةً على طبيعتها الطاهرة، لم يزل بينها وبين الحياة باب مغلق. . . وأغناني يقيني عن سؤالها، وحال بيني وبين التماس أسباب المعرفة أنني لم أكن أريد أن يكون مني عملٌ إيجابي يشعرها أن لي بأمرها عناية فأمد لها أسباب المنى!
ثم كان يوم وكانت الصلة بيننا قد توثقت حتى لا سرّ بيني وبينها، وجلست تتحدث إليّ، وعرفت. . .
يا لله!. . . ليتني كنت ادري! وهل كان يدور بخاطري يوماً أن هذه الفتاة التي بعيني هي