يقال إنه يبالغ في الحرص على إنهاض التعليم الحر، وفي نفسه أن ذلك طريق لجذب المدارس الأجنبية إلى تقوية مواد اللغة العربية والثقافة المصرية عساها تستطيع الظفر المطلق بثقة آباء التلاميذ في زمن لم يبق فيه مجال للحياة في مصر أمام الشبان العاجزين عن مسايرة المجتمع المصري، وهو مجتمع يعبر عن مطامحه في المجد والحياة باللغة العربية.
كلمة صريحة
هي كلمة أوجهها إلى مدرسي اللغة العربية بالمدارس الأجنبية، فأغلب أولئك المدرسين ينسون أو يتناسون أن وجودهم بتلك المدارس فرصة ثمينة لتعلم اللغات الأجنبية، والتعرف إلى ما عند الأجانب من آداب ومذاهب في الميادين الاجتماعية والاقتصادية.
كنت أرجو أن يفهم من يشتغل بالتدريس في مدرسة فرنسية أو إنجليزية أو إيطالية أو ألمانية أنه انتقل إلى جو من أجواء باريس أو لندن أو روما أو برلين.
ولكن أولئك المدرسين يعيشون بمعزل عن الجو الروحي لتلك المدارس، وتظل صلاتهم بها صلات منافع تحد بحدود المرتب ولا تجاوزه إلا في قليل من الأحايين، وتكون النتيجة أن ينعدم التآلف والتعاطف، ولذلك تأثير في سير الأعمال المدرسية، لأن التجاوب الروحي بين النظار والمدرسين يعاون على تخفيف ما في مهنة التدريس من أعباء ثقال
أنا أحب لمن يشتغل بتدريس اللغة العربية في مدرسة أجنبية أن يضمر في قرارة نفسه أنه لن يفارق مدرسته أبداً وأنه سيجعلها داره إلى أن يفكر في الراحة من عناء التدريس
وقد اتفق لي فيما سلف أن أقضي أعواماً كثيرة في التدريس بالمدارس الأجنبية، وما أذكر أبداً أني لقيت من أصحابها ما أكره، وما زلت أذكر بالخير والعطف والحب أيامي بالليسيه فرانسيه والجامعة الأمريكية، وإن كنت أذكر بالحسرة واللوعة أنه فاتني أن أنتفع بصحبة أولئك القوم أكثر مما انتفعت، فقد كانت قلوبهم مفتوحة أمامي، وكنت أستطيع الانتفاع بمعارفهم وتجاربهم في كل وقت.
وخلاصة القول أنه يجب على مدرسي اللغة العربية بالمدارس الأجنبية أن يعتبروا أنفسهم في دورهم، وأن ينسوا أنهم (أجانب في دور الأجانب)، فما كانوا ولا كان رؤسائهم بتلك المدارس إلا جنوداً في الميدان العلمي، وهو ميدان تظهر فيه المواهب وتختفي الأجناس.