ومن حَذَر لا أسأل الركب عنكم ... وأعلاقُ وجدي باقيات كما هيا
ومن يسأل الركبان عن كل غائب ... فلابد أن يلقى بشيراً وناعيا
فماذا تضمر الدنيا في أيامها المقبلات؟
وماذا عند القدر من مكنون النعيم أو الجحيم للقلب الذي صير الحديث عن الحب شريعة من شرائع الوجود؟
أين بائع النسيان، يا صديقي، وأين بائع السلوان؟
وأين من يوهمني بأن تلك الزهرة لم تكن نفحة سماوية وإنما كانت نفحة أرضية لا نصيب لأرجها العطر من روح الخلود؟
لقد بدأ قلبي يخمد من لفح اليأس، وإن دام هذا الحال فلن ترى في أحاديثي إليك غير التوجع للقلب الذي أضاعه تقلب القلوب.
وما ذنبي عند تلك الروح؟
ذنبي وذنوبي وعيبي وعيوبي أن لم أطعها بالافتضاح بالحب ولم أسطر في هواها مئات الصفحات كما صنعت مع (ليلى المريضة في العراق) كأنما كان مكتوباً علي أن أقضي الدهر في الهيام بالعيون العسلية والعيون السود، عيون أهل القاهرة وعيون أهل بغداد، والله هو وحده الذي يعلم مواقع هواي، فلن أطيع تلك اللئيمة في الترحيب بمآثم الافتصاح.
وما الموجب لقتل الوقت والعافية في تذكر القلوب الغوادر، وفي دنيانا تكاليف تميد من أثقالها الجبال؟ ما الموجب؟!. . . الموجب معروف وهو الوثاق المسطور في اللوح المحفوظ بألا تعيش روح إلا مجذوبة إلى روح.
أما بعد فإن قال قوم أني كاذب في الحب فقد صدقوا، وإن قال قوم إني صادق في الحب فقد صدقوا، فأنا كاذب في تصوير ما أعاني من شقاء: لأن الواقع يشهد أن الحب لم يشغلني عما أضطلع به في حياتي الخصوصية والعمومية من أعباء ثقال؛ وأنا صادق في تصوير ما أقاسي من لواعج وأشجان: لأن الواقع يشهد أيضاً أن حياتي لم تخل من التأثر بمكايد السحر والفتون.
كم تمنيت أن أكون في الحب من الكاذبين! وكم تمنيت أن أكون في الحب من الصادقين،