الديرة ورجلها، ومقدم الشباب في المصارعة، وحمل الأثقال، والعدو، والسباحة، وتلك هي مفاخر الشباب الجبلي في تلك الأيام. وكان رقصهم الدبكة على (اليادل) أو على (دلعونة) وكان هو شيخ الدبكة.
وكان الحب قد ولد في نفسيهما، فكانا يجلسان على قلعة على شفير الوادي، يرعيان هذا الحب الوليد، ويدعان القطيع يرعى بنفسه، وكان لها عنده مثل الذي له عندها، فما الذي فرق بينهما؟ أهو المال أم الدسائس أم قد زوجوها من غيره. أم ماذا، من يحفظ قصتهما يا أهل بيروت؟
وكيف عاشت من بعده، وكيف عاش من بعدها؟
أم كان متكئاً في زورقه، يرقب الشمس وهي في موقف الوداع صفراء شاحبة، لا يحفل بها أحد ممن كان في الميناء، لأن هموم العمل لم تدع في قلوبهم مكاناً للشعر. فأيقظه من غفوة التأمل أسرة تريد أن تجول في البحر جولة في الزورق. . . هنالك رآها، واستقر حبها في قلبه، ولم يكن بذي صاحبة ولا ولد، فهام بها هياماً وقلب الأرض يفتش عنها عله يحظى منها بنظرة فلم يلقها. فعاش بقية عمره يتجرع غصص الألم المكتوم، حتى مات حيث لقيها، ودفن حيث مات.
وهذا الحب هو النار التي تأكل القلب. . . وما قرأت مرة قصة القاضي ابن خلكان إلا رحمته مما يقاسي. وكان يبيت وحده في المدرسة العادلية الكبرى (دار المجمع العلمي بدمشق) فإذا أراد أن ينام تمثلت له صورة المحبوب، فغلى دمه في عروقه وفار، فأقبل يدور حول البركة ويقول:
أنا والله هالك ... آيس من سلامتي
أو أرى القامة التي ... قد أقامت قيامتي
حتى يؤذن الفجر، وكان يحب من ليس فوقه إلا السلطان
قلت: ومن هنا ما تجدون من الذوق في ترتيب كتابه (وفيات الأعيان) وما يختار فيه من الشعر!
أم أن هذا قبرها هي، يقوم على الشاطئ، على مسرح المأساة التي طالما مثلت عليه وأعيدت