للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ذا نصيبهم في الدنيا (وجعلنا بعضكم فوق بعض درجات).

- درجات. . . وليس ملايين الدرجات فلا يكون البون بين صاحب المصنع وعامله ساشعاً. والعامل الذي انتج الربح له قسم فيه وللدولة مثله لتثقف به أولاد ذلك العامل، فليست العبقرية وقفاً على أولاد الأغنياء.

- تالله أنتم أعداء لكل ما يحرص عليه المتمدينون من تقدم اجتماعي وحرية بشرية، وما من أمة تبيت اليوم في أمان من ظل الصليب المعقوف. وقهقه القائد حتى بدت نواجذه وقال:

- يا صغيرتي العزيزة. هاأنت ذي ترين جنود الحلفاء يفرون من وجه آلاتنا التي أنتجتها عقولنا، فهل من بين علمائكم من يستطيع أن يصنع شيئاً يقفنا ولو لبضع ساعات. . . والعقل الذي يذلل العلم لرغباته والأمة التي تخفف الفوارق المادية بين طبقات الشعب فلا يكون فيها فاحش الثراء ولا من يسمو بالفقراء، هي أرفع مدنية من أمة تتخم خزائن أفراد قلائل منها بالذهب ولا يجد العامل الذي أنتجه ما يقتات به كفرنسا أو مصر التي يسخر شعبها بأزهد الأجور لخدمة القلة من الأغنياء والتي دل الإحصاء على أن اثني عشر ألفاً منها يملكون نصف الثروة العقارية للبلاد مما لا أعرف له مثيلاً في بلاد أخرى.

وعملت هذه الملمات في نفس الفتاة عملها، وذكرت أولئك الغارقين في لذائذ الدنيا من أثرياء قومها، وما لقيته من شظف العيش في قريتها فأطرقت وأغرقت في صمت طويل، حتى إذا ما شارف سيل الدبابات على (باريس) كانت قد طوت نفسها على أمر.

(يبدي الفوهرر خالص ثنائه على المعاونة القيمة التي قدمتها الجاسوسة س ١٠٧ في الميدان الفرنسي).

وأفتر ثغر س ١٠٧ وهي تقرأ الرسالة الشفوية وملكها الزهو فأعادت قراءتها ثم سلطت عليها زفيراً من فمها تلاشت على أثره السطور وألقتها مزقاً في الطريق.

وأخذت سمتها شطر محطة (بوردو)، تلك المدينة التي كانت مسرحاً لعملها الشاق، وذكرت ذلك الحان الذي قضت فيه الوقت كله بين جواسيس الحلفاء تبيع لهم الخمور وتستدر الأسرار من الصدور، وسمعت صوت أقدام تتبعها فالتفتت في ذعر فلمحت شبحاً يقترب منها ويهمس في أذنها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>