للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولكنها تعلم أن الجاسوس لا يمكنه التخلي عن عمله لأي حال كان. . .

وفرت جيوكندا على باخرة تعيد اللاجئين إلى فرنسا.

واستقبلها الجستابو على رصيف ميناء (كاليه)، وابلغها الأسف الشديد لصدور الحكم بإعدامها.

وشدهت جيوكندا وفرقت وهتفت بصوت خائر:

- ألا يشفع لي ما قدمت يداي لألمانيا من خدمات؟

سقطت (باريس) تحت أقدام الألمان فخيم على مدينة النور الظلام. . .

وأخذ حذاء القائد (فريتش) يدب في رفق على إفريز (السين) ولم تزل صورة (جيوكندا) تعبر في فكره وتتسلل إلى قلبه فتثير فيه الألم والشجون، ومرت بخاطره خيبته في إقناعها بالعدول عن الالتحاق بالطابور الخامس وإصرارها في عناد وقولها له في حزم:

- فلن أهدأ حتى تتحطم الرأسمالية في فرنسا وأرى بعيني فيها نظم الريخ.

وتصور أنها الآن تضرب في أرض الدنيا لا تكاد تستقر في بلد حتى يأمرها الجستابو بالانتقال إلى آخر.

وملكته رغبة ملحة في رؤيتها والوقوف على حالها.

ربما اعتقلت. . . ومن يدري لعلها أعدمت بالرصاص، وأفزعه هذا الخاطر فخفق قلبه الملتاع وتهالك على مقعد قريب وقد تولاه طائف من الوجد والذهول. . .

ووثبت صورة جيوكندا أمام ناظره تتهادى على صفحة السين الساكن ترنو إليه بعينين تحكي خضرة البحر، وشعرها الذهبي الهفهاف يداعبه النسيم

وبدا له أن الجاسوسية أنهكتها، وأن شبح الإعدام أرهف أعصابها، ورآها بعين الخيال تهرع إليه وتسرد عليه ما خاضته من أهوال، وهو مع ذلك لاه عن حديثها بضمها وشمها ولثم ثغرها العطري كأنفاس الياسمين.

ودبت خيوط الفجر في فحمة الليل فهب القائد من حلمه الجميل يمشي خفق الفؤاد مبلبل الفكر، وحينما مر بجريدة (باري سوار) التي اتخذت مركزاً للجستابو، طرأ عليه أن يسال صديقه الميجر (براون)، فعلم أنه أوصل لها رسالة سرية في بوردو وأنه رآها تركب عربة. ثم أردف: وأحسب أنني سمعتها تقول للسائق إلى (إيفيل).

<<  <  ج:
ص:  >  >>