فالرواية لا تتخذ لها أجواء إلا أجواء النفس، وهي ضعيفة بحقيقتها واسعة بخيالها، تمتزج خيال الشاعر ولا تلائم حقيقة الفيلسوف. قد اجتمع فيها كل ألم الشاعر وآماله. وكل ما اعتقد ويعتقد من قواعد في الشعر والفن. وهذه الرواية هي أدنى إلى القصيدة الشعرية منها إلى القصة التي تعتمد على الألوان الخارجية. وهي قصيدة طويلة عميقة الخيال، بعيدة الغور، تصل إلى أعماق الباطن والنفس، يظهر فيها نوفاليس الشاعر وراء الشخصية المبهمة التي تلبس بها. تلك الشخصية التي تستفزها الأحلام وتهيجها الآمال وتفهم الجمال الكلي الذي لا يموت بموت الملامح.
روح وادعة تنظر إلى الوجود بعين الأمل والرضا، يريد صاحبها ان يحمل شقاءه كصديق، ولا يريد أن يوليه مملكة قلبه وعقله كالغالب يعيث فيها فساداً. لأنه يرى نفسه مرتاحة بهذا النزر من الشقاء قال عنه (فردريك شيلجل)(وكان لا يجد أثراً للسوء والشر في الوجود، وكان يعتقد أن كل شيء يستعد ليدخل في حياة ذهبية) ونوفاليس يقول عن نفسه (انو الطبيعة حبتني هذه النعمة، نعمة النظر إلى سمائها ولألائها بعين المرح والسرور) وهذه الكلمة تبدي لنا الحساس (نوفاليس) العميق في الطبيعة، وتفهمه لدقائق أشيائها. هو إحساس لا تغلب عليه العاطفة الهوجاء. ولا تصدمه الحقيقة السائدة في الوجود، وكيف نريد أن نقيد أو نحدد إحساسه وهو الذي آمن بالأحلام ليستطيع أن يكيف الطبيعة كما تبتغي أحلامه. . وهو يبغي أن يحيا في الطبيعة كما يريد لا كما تريد هي. .! ولكن هذا المرح لم يكن مرحاً هائجاً ثائراً، بل كان مرحاً ساكناً هادئاً، يتمشى بين ثناياه ألم عميق إذا تعمق الناقد في باطنه تبينت له تلك السحابة القائمة، وتلك الظلمة الفاحمة. وقد تكون سحابة قاتمة لكنها موشاة بألوان الشفق الوردي: يبدو احمرارها للعين ويتوارى سوادها. وقد تكون ظلمة فاحمة ولكن أشعة قمر مستور يغمرها بشعاع باهت ينيرها ولكن لا يظهرها.
هذا هو (نوفاليس) الذي غادر الوجود ولما يبلغ التاسعة والعشرين، قد غالى قوم في تقديسه حتى نعتوه (بنبي المدرسة الرومانتيكية). وغالى قوم في بخسهم قيمته، فقالوا ان فنه هو مجموعة أحلام صبيانة. والناقد الحق هو الذي لا يغالي في الأمرين. ينظر إلى الأولين فيدرك أنهم أرادوا لو انفسح عمر الشاعر لكان منه ذلك النبي المزعوم. وينظر إلى الآخرين فيدرك أن مقاييسهم كانت قاسية، تريد من الشعر مالا يريد الشعر من نفسه، فيقف