بهذا اللقب، هو الذي يعتبر المجتمع الإنساني مثل الجسم الإنساني يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر من عوامل التطور، ودواعي الصحة والمرض، والقوة والضعف؛ ويساير الأمة منذ نشأتها، ويدرس البيئة وما يحيط بها من عوامل مؤثرة، ويحلل المؤثرات التي تنتاب الشعوب، ويعلل الظواهر الاجتماعية، ويلقي شيئاً من الضوء على ما أبهم في حياة الأمم ويضيء الجوانب المظلمة في التاريخ الإنساني، ويجلو الغامض في المسائل التاريخية التي أحدثت الانقلابات أو جرت إلى التحول والانتقال، ويطالعنا كيف ارتفعت بعض الأمم إلى الذروة، ثم هوت إلى الحضيض، وعلى الجملة يكون في تحليله وتعليله مثل العالم في معمله، والفلكي في مرصده
توفرت على دراسة كتاب (مصر القديمة) للعالم الأثري الكبير الدكتور سليم بك حسن، فأوحى إلي فيما أوحى بتلك الخواطر جميعاً. والحق أنه جعل التاريخ المصري القديم مادة حية تغذى نهضتنا الحديثة الغذاء الروحي والعلمي والعقلي الصالح، ووصل ما أنقطع بين مصر العصرية ومصر القديمة
لقد ظل تاريخنا القديم السنين الطوال حرماً مقدساً لا يغشاه إلا الغربيون، وكنا إذا شئنا أن نجيل الطرف في مجدنا التليد عمدنا إلى مصنفات الفرنج نقلب صفحاتها، ومن لم يكن ملماً بلغة أجنبية ضرب بينه وبين تاريخ بلاده حجاب، وكنا إذا أردنا أن نرتوي من عظات الماضي نهلنا من موارد الإنجليز والفرنسيين والأمريكان والألمان، فأكبر عالمنا الجليل أن تظل تلك الوصمة عالقة بنهضتنا، وهذه الشائبة، تشوب صحيفة ثقافتنا، وذلك النقص يعتور حضارتنا، فأقبل يستلهم الآثار النقوش، ويستهدي المحاجر والمقابر، ويبحث وينقب، ويبوب ويرتب، ويتابع، ويراجع ما كتبه الفرنج وغير الفرنج، ويساير البيئة المصرية منذ نشأتها ويرقب تطورها وتحولها، ويراقب العوامل التي أثرت فيها والملابسات التي أحاطت بها، ويرقب النتائج على المقدمات، ويفصل بين أصدق الآراء في معترك الآراء ويجلو الغامض والمبهم، ويمزح علم التاريخ بعلم الاجتماع، ويقدم من مجد الماضي مادة لتغذية الوطنية المصرية المتوثبة، ويكشف عن مواطن الأدواء التي انحدرت إلينا من الماضي السحيق، ويضع مشرطه على مكمن العلة في غير تهريج علمي، ولا نعرة وطنية كاذبة، بل في تواضع العلماء، فوفق إلى إبراز التاريخ المصري في حلة قشيبة يجدر بكل من