شرب ماء النيل وأظته سماء مصر أن يرجع البصر في ذلك التاريخ الحي كرتين
لقد ساهم العالم الفرنسي الكبير شمبليون بقسط كبير في خدمة قضية المدنية والعلم حين كشف عن الكتابة الهيروغليفية المنقوشة على حجر رشيد؛ وما احسبني مسرفاً أو مغالياً حين أقرر أن الدكتور سليم حسن قد خدم النهضة المصرية بمؤلفه الجديدة أجل الخدمات
ولعلي لا أعد محلقاً في أجواء الخيال إذ أجاهر بأن لفنجستون وستانلي قد كشفا عن مجاهل أفريقيا فخدما العلم والحضارة، وأن عالمنا المصري قد كشف عن مجاهل التاريخ المصري فتوج النهضة الحديثة بأبهى التيجان وأغلاها
لم يكن التاريخ المصري غامضاً فحسب، بل كان لفرط تشابهه يبعث السأم في النفوس، فانصرف عنه الشبان الذين يؤثرون تغذية الروح على تغذية العقل. ولكن عالمنا قد نفخ فيه من روحه وأسبغ عليه من فيض حماسه، وأضفى عليه من وافر إخلاصه ما جعل النفوس التي على ظمأ تتشربه تشربا
على أنه قد عف عن التهويش العلمي، وتورع عن أن يجعل كتابه مصطبغاً بالصبغة الأدبية البحتة ليكون سائغاً للنفوس، بل جعله بين ذلك قواماً في أسلوب علمي هادئ وبحث أدبي رصين
إلى عهد غير بعيد كانت معرفة التاريخ المصري القديم تعتبر ضرباً من ضروب الترف العقلي ولوناً من ألوان الزينة العلمية، ولكن اليوم ونحن أمة تبتغي أن تأخذ مكانها بين الأمم الناهضة وتطمح لأن تساهم بنصيب في خدمة قضية الحضارة، ينبغي لنا أن نعد الإلمام بتاريخ وطننا ضرورة قومية
الكبرياء رذيلة للأفراد، ولكن الكبرياء القومي فضيلة اجتماعية للشعوب، والكبرياء القومي والعزة الوطنية لا يتوفران لشعب إلا إذا شعر شعوراً صادقاً وعميقاً بمكانة وطنه في الماضي والحاضر، وإذن فليس يكفي القومية المصرية أن تشهد نهضة حقة في الحاضر، وإنما ينبغي لها أن تعرف أن الأمة التي بلغت ذروة الحضارة في الماضي البعيد بينا كانت أمم الغرب لا تزال تأوي إلى المغاور والكهوف لهي أمة خليقة بأن تكون في طليعة الأمم المتحضرة
ما أحسب الذين يدينون بمبدأ العنصرية القائل بجعل الأجناس بعضها فوق بعض درجات