صباح، وسنلتقي ولو بعد حين، وسنذوق أذى الناس ولو بعد أزمان!! نحن أيتها الروح غرباء في هذا الوجود، وآية ذلك أني لا أستطيع التسليم عليك في صبيحة العيد، لأني - وفقاً للعرف - لا أمت إليك بغير الوشيجة الروحية، وهي وشيجة مجحودة الأصول والفروع عند أكثر الناس
فنم يعزي المحروم من طلعتك البهية وصوتك الرخيم في صبيحة العيد؟
ومن يواسي الهائم الحيران وهو من الهُيام والحيرة في شقاء وعناء؟
أَمَا والله لو تَجدين وجدي ... جمحتِ إليَّ خالعةَ العذارِ
وهل كانت الحياة إلا في الشعور بألا تعيش روح إلا مجذوبة إلى روح؟
ما هذا الذي أقول؟ وما الذي أجترح بهذا القول؟
أمن الصحيح أننا لا نجد السعادة الحق إلا إذا تلاقينا في صبيحة العيد وجهاً لوجه، وتصافحنا يداً بيد، وآذنا الناس بما نحن عليه من وداد وصفاء؟
أشعر يا مولاتي بأن موازين الأحكام الروحية قد اختلت بعض الاختلال، وإلا فما بالنا لا نصدق بالتصاق التام إلا إذا تصافحت الأيدي وتلاقت الوجوه؟
وماذا يصنع مثلى إذا أبتلى بهوى فتاة روحانية ترى الأنس في أن تلقاني في مقالاتي ومؤلفاتي، وأن ألقاها فيما تكتب إلي من رسائل معطرة بعبير الرفق والحنان؟
إننا غلبنا أسلافنا بكثرة الإنتاج الأدبي، ولكننا لم نصل بعدُ إلى مسابقتهم في ميدان الخلود، لأن أدبهم على قلته مطبوع بطابع الصدق؛ فقد كان فيهم من يقضي العمر وهو مجذوب إلى صورة لا تطمع في رؤيتها العيون؛ أما نحن فنيأس وننصرف لأول بادرة من بوادر المنع، ويكون من أثر ذلك أن تحرم أكبادنا قسوة اللوعة والاحتراق، وهي قسوة لطيفة محبوبة لا يتذوق عذوبتها غير الأديب والفنان
ومن يدري؟ فلعل لي غرضاً في العزلة يشبه غرضك في الاحتجاب، والإنسان حيوان لئيم. وهل أجد نفسي إلا حين أخلو إلى قلمي؟
وما سر تلك الخلوة؟ وما أخبارها؟
هي خلوة أقترب فيها من نفسي بعض الاقتراب، وأشعر بمواجهة اللهب المقدس الذي يمن به الله على أحد الأرواح في إحدى الأحايين، وأسمع صرير القلم بلهفة وشوق، لأن كتاباتي