يتفق له أن ينقل العبارة الواحدة من موضوع إلى موضوع حين يراها تصل به إلى ما يريد، كعبارة (رواء في العين، ولا شيء في اليدين) فقد كررها بلفظها في معرضين مختلفين، وقد يأنس بتعابير العوام حين يراها تؤدي الغرض المقصود، كأن يقول:(وراحتْ أيام، وجاءت أيام) وهو مع ذلك ينقل بعض تعابير القدماء إلى كلامه من حين إلى حين؛ كأن يقول في سياق أحد الأحاديث (تجيئك بحمأة وقليل ماء)
أسلوب أحمد أمين ليس بالأسلوب الرشيق، وأحمد أمين ليس من (دهاقين الكلام) كما كان يعبر القدماء، ولا عبرة باعتذاره بأن المهم هو المعاني، ولا قيمة للغض من الزخرف والبريق والرواء، لأنها عناصر أساسية من الأسلوب الجميل
ولكن يجب الاعتراف بأن أسلوب أحمد أمين له شخصية تتميز بالسهولة والوضوح، فهو يعبر عن ذات نفسه تعبيراً صحيحاً، وهو يقنع وإن كان لا يفتن، لأنه يبغي الإقناع ولا ينشد الفتون، وليس ما وصل إليه بالمغنم القليل
موضوعات الكتاب
في كتاب (فيض الخاطر) موضوعات أدبية واجتماعية، وبعض الموضوعات الأدبية تراجم لرجال أنس بذكراهم المؤلف، كترجمة أبي مججن الثقفي، وفي هذه الترجمة تحدث المؤلف عن (الطائف) في الجاهلية والإسلام حديثاً طريفاً، وكان أكبر همه أن يبين قيمة الشخصية الخلقية لشاعر لا ينتهي عن الخمر إلا حين تصبح له من المباحات بفضل ما أبلى في الحروب. والنظر في هذه الترجمة ينفع، لأن فيها معارف تاريخية وجغرافية، ولأنها تصور حرص المؤلف على التنويه بقيمة الاعتزاز بالنفس في بناء الشخصية الخلقية
وأبو محجن هو الشاعر الذي تعقبه عمر بن الخطاب بالنفي والتشريد لهذين البيتين:
إذا مت فادفنّي إلى جنب كَرمةٍ ... تروِّي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفننّي في الفلاة فإنني ... أخاف إذا ما مُتّ أن لا أذوقها
وهنا يقول المؤلف:(ويشاء قاصّ من الظرفاء فيروي أنه رأى قبره بنواحي أذربيجان أو جرجان وقد نبتت عليه ثلاث كروم قد طالت وأثمرت واعترشت)
ونقول إنه لا موجب لعبارة (قاص من الظرفاء) التي تفيد الكذب والاختراع، فليس من المستبعد أن يحقق العرب مثل هذه الوصية، وكان من خير المدح عندهم أن يكون الرجل