في كتابه هذا بأنه قليل الضحك كثير البكاء، وذلك سر نجاحه كاتباً، لأن الأمم التي تعاني الاضطهاد، أو تتوهم أنها تعاني الاضطهاد تميل إلى الكاتب الذي يكثر من شرح معاني الضجر والاكتئاب
وننتهز هذه الفرصة فنشير إلى المقال الذي عنوانه (الضحك) والمقال الذي عنوانه (سيدنا) فهما يصوران شقاء الكاتب بالناس والزمان، فقد ضربه معلمه في الطفولة ضرباً قاسياً عنيفاً، ضربه ضرباً قضى بأن يستريح في المنزل نحو أسبوعين، والذي يواجه بأمثال هذه المكاره وهو في طهارة الطفولة لا يرى الناس إلا قطعاناً من ضاريات الذئاب
ولم يفت الأستاذ أحمد أمين أن يعقب على ذلك السلوك الفظيع من معلمي الأطفال، فقد عده رياضة على تحمل مكاره الحياة، ولعله صدق، فقد قام الدليل على أن الخوف من المجتمع هو أنجح الوسائل في الانتصار على المجتمع
وهذه النظرة تفسر ما يغلب على كتابات الأستاذ أحمد أمين من الميل إلى الجد الصرف، واستهانته بالأزهار البواسم في رياض الآداب والفنون، كالذي وقع في مقال (أدب القوة وأدب الضعف) وهو مقال جيد من حيث التصوير لنفسيته الذاتية، وهي نفسية الرجل الذي صرح في مقالة (الموت والحياة) بأن الأمر في السعادة إلى ما في داخل النفس لا في خارجها، وأن في الدنيا نفوساً قد تشقى في النعيم ونفوساً قد تسعد في الشقاء
وكذلك نرجو أن يفطن طلبة السنة التوجيهية وهم يقرؤون كتاب (فيض الخاطر) إلى أن المؤلف أديب يصور لواعج نفسه قبل أن يصور بلايا المجتمع، وإذا كان أحمد أمين قد نجح نجاحاً ملحوظاً في حياة الأدبية والمعاشية، فهو نجاح السباح المغامر الذي عانى ويلات الخطوب وهو يقارع الأمواج في ليلة داجية مُثقلة الحواشي بالعواصف والأنواء
ونخرج من هذا بأن أحمد أمين لم يكن مرائياً في قصر أدبه على الجد الصرف، فهو في حقيقة الأمر رجل حزين، وإن كان يستريح إلى أحاديث الدعابة والمجون حين يخلو إلى أصدقائه الخواص، وهل يستريح إلي الدعابة إلا الرجل المكروب؟
إن هذا الرجل أعلن في كتابه أنه يشتهي ضحكة قوية يمسك منها صدره، ويفحص منها الأرض برجليه، ضحكة تملأ شدقيه، وتبدي ناجذيه، وتفرج كربه الأليم، وتكشف همه المقيم. ولكن تلك الضحكة القوية لن تتاح لمن كان في مثل حاله من الحرص على الوقار