والتزمت، والخضوع لأهواء المجتمع البليد الذي يرى المرح من عيوب الرجال
وهنا أذكر نكتة قصها رجل سخيف، رجل لا يؤمن بأن الشيخ محمد عبده كان من العظماء، لأنه شهده مرة وهو يضحك بقوة وعنف كما يضحك الأطفال
والنكتة هي ضحك الشيخ (محمد عبده) بتلك القوة وبذلك العنف، والعظيم عظيم في كل شيء حتى في الهزل والمجون، وكان محمد عبده عظيماً في الجد وعظيما في المزاح، ولن تكمل الشخصية الإنسانية إلا إذا استوفت معاني المرارة والحلاوة والقسوة واللين
قال الراوي: كان محمد عبده يضحك ينافي وقار العلماء
وأقول إن محمد عبده لم يكن واحداً من العلماء، وإنما كان أوحد العلماء، وللأوحد مزايا لا يتمتع بها الآحاد
وقد أخبرنا الأستاذ (أحمد أمين) في كتابه أنه سيحاول الضحك. فهل ضحك؟ كتب الله لي وله نعمة القدرة على الاستهانة بمكايد الناس ومكاره الزمان!
أما بعد ففي كتاب (فيض الخاطر) مقالات نخصها بالحمد بلا تحفظ، وندعو الطلبة إلى فهمها بعناية وحرص، كمقالة (عدو الديمقراطية) وهي من بدع ما كتب بدع ما كتب أحمد أمين، ومقالة (الإشعاع) وهي مقالة رفضت النظر إليها في الكتاب، لأني فوجئت بها في مجلة الرسالة وأنا راجع من فرنسا في صيف سنة ١٩٣٣ فكان لها تاريخ في تحديد ما بيني وبين الأستاذ أحمد أمين، ومع طول العهد ومع النفرة من مراجعة هذه المقالة فأنا أعتقد أنها من غُرر الأدب الحديث، وقد كتبت هذه المقالة في لحظة من (لحظات التجلي) وهو عنوان لمقال طريف وفق الكاتب في فقراته الختامية إلى معانٍ لا تصدر إلا عن رجل موهوب وأحمد أمين في بعض ما يكتب رجل موهوب
وهنالك مقال (الحلقة المفقودة) وهو مقال صادق، وقد كان له تأثير في بعض البيئات العلمية، والكاتب الحق هو الذي ينقل الفكر من حال إلى أحوال، ويعكر صفو الآمنين من حين إلى حين
ثم أما بعد فكتاب (فيض الخاطر) هو صور ذوقية وأدبية واجتماعية لرجل محترم يعاديه قوم ويصادقه أقوام، رجل له أهل وأبناء وأصدقاء وأعداء، ومن كان كذلك فهو خليق بأن يفهم سرائر المجتمع كل الفهم أو الفهم أو بعض الفهم، وهو جدير بأن ينصب لآرائه ميزان