وكذلك جيتي وشيلر وهيني أعظم شعراء الألمان في زمانهم لم ينظموا في حروب عصرهم وهو عصر نابليون والثورات الوطنية إلا شذرات مهملة من شعرهم القيم المقدم على غيره.
ولقد شغلت الحرب الماضية أقطار العالم قاطبة أربع سنوات وفيه مئات الشعراء من غربيين وشرقيين ثم لم يعقبوا جميعاً من الشعر القيم ما يضارع ديوان شاعر واحد. وجاء الشاعر الناقد بيتس الذي عهد إليه في اختيار مجموعة أكسفورد من الشعر الإنجليزي في خمسين سنة فلم يثبت من قصائد الحرب إلا النادر الذي نظم بعد أنتهائها، وقال في مقدمة المجموعة إنه أهمل تلك القصائد لأن الموضوع بحذافيره لا يستحق الإثبات.
وتلك هي الحقيقة التي تنجلي لنا من مراجعه دواوين الفحول ومن مراجعة أوقات الحروب الكبرى. فمن أين نأتي بزعم من يزعمون أن النظم في الحروب شرط من شروط الشاعرية، وأن إهماله معيب في أساطين الشعراء؟
ولكن طالباً أديباً في الجامعة كتب إلي يلفتني إلى رأي للأستاذ أحمد أمين أذاعه في يوم ذكرى حافظ رحمه الله وقال فيه عن قراء الصحف إنهم (يقلبونها اليوم فلا يجدون فيها شعراً في غارة ولا في هجرة الريف ولا في بطاقة البترول كما لم يجدوا فيها ما هو أهم من ذلك في آلام مصر والشرق وآمال مصر والشرق. . . قد كان يقول حافظ بذلك كله ثم لم نجد له خلفاً)
ويسألني الطالب رأيي فيما أفتى به الأستاذ أحمد أمين، ورأيي أنه كان أولى به أن يسأل أستاذه علام أعتمد في هذه الفتوى التي قرر بها أن ميزان الشاعرية هو النظم في الغارات وبطاقات البترول والهجرة إلى الريف؟
إن مشاكلنا التي من هذا القبيل لتغرق في نظائرها من مشاكل الأوربيين كما يغرق الجدول في العيلم الزاخر، فما بالهم لم يفرغوا همهم للنظم في تلك الموضوعات التي يقترحها الأستاذ أحمد أمين؟ أليس في أوربا كلها شاعر في طبقة حافظ رحمه الله؟
نحن لا نحرم على الشاعر النظم في بطاقات البترول وما إليها، ولكننا نحرم على الناقد أن يجعل بطاقات البترول ميزان الشاعرية، ونحسب أن إيمان الأستاذ أحمد أمين بخطئه