كان ينظر إلى معضلات المجتمع بقلب راضته الأفراح والأتراح على فهم ما للوجود وما عليه من محاسن وعيوب
والمزية الأصيلة للزيات أنه يخلو بنفسه وإن كان محفوفاً بالرفاق في لحظة صفاء. ولن أنسى أبداً أننا كنا نقضي سهراتٍ كوامل ونحن في أودية بعيدة، وإن كنا في مكان واحد، فلم أكن منه ولم يكن مني، لأن عالم الفكر غير عالم الشهود، ولأن الإقامة في ظرف المكان لا تمنع القلب المتحرك من التجول في آفاق العقول والقلوب والأحاسيس.
وهذه الظاهرة الروحية تفسر الهدوء (الظاهر) في كتاب (وحي الرسالة) فالكاتب يوهم قراءه أن حياته خلت من الابتلاء بالدنيا والناس، وأنه يخاطبهم من شرفة عالية لا تعرف ما يقع في (الشوارع) من انحطاط وانزلاق.
والواقع غير ذلك
والواقع أن الزيات (يعيش) في دنيا العصر الحديث، فتجاريبه ليست تجاريب من يعبر الطريق بلا وعي ولا إحساس، وإنما هي تجاريب من له في كل (شارع) دار وجيران. ويا ويل من كان له في هذه الدنيا دار وجيران، ولو أعتزل في حدود الصحراء!
الزيات أديب له مجلة أسبوعية، ومعنى هذا أنه يعرف الناس من جميع الجناس، ومعناه أيضاً أنه مسئول أمام من يباشرون تلك المجلة من عمال ومراسلين ومحررين؛ ثم معناه أنه مسئول أمام العقليات المختلفات في مصر وفي الأقطار العربية؛ وذلك يوجب أن يواجه الدنيا بعقل يقظ وقلب حساس.
فإن لم تتفق التجارب الصحيحة لمثل هذا الرجل فلمن تتفق؟
ومن الذي يفهم بلايا المجتمع إذا عز فهمها على مثل هذا الكاتب الأسيف للدنيا والناس؟
وهل يملك الزيات في (خلوته الفنية) قدرة الاستهانة بزيارة رفيقة يمن بها طفل كريم لا يعرف أن الأديب له خلوات؟
فما معنى ذلك؟
معناه أن الزيات رجل مسئول ولو أغلق بابه بألوف الأقفال وفي هذا ما يكفي للحكم بأن موقفه في فهم المجتمع موقف الأصيل لا موقف الدخيل.