لخصائصهم الذاتية، فكانوا يتكلمون كما كان يتكلم آباؤهم الأقدمون، وكانوا ينقلون المصحف والمسجد إلى كل أرض، كما ينقل الإنجليز الكنيسة والإنجيل إلى كل أرض. ولو كان التطور الشامل أداة من أدوات النفع لترك العرب قرآنهم في الأندلس، وترك الإنجليز إنجيلهم في الهند، فلم يبق إلا الاعتراف بأن التطور الشامل من صور الانحلال، وإن كان في نظر الغافلين من صور التحرر والاستقلال!
من كتاب حافظ عفيفي نعرف أن الإنجليز تطوروا تطوراً ملحوظاً، ومن كتابه نعرف أنهم ظلوا برغم ذلك التطور الملحوظ إنجليزاً أقحاحاً، فما معنى ذلك؟ معناه أن الرجل الأصيل يحفظ خصائصه الذاتية وإن قهرته الظروف على التنقل من حال إلى أحوال
ومن كتاب حافظ عفيفي نعرف أن الإنجليز يلوحون دائماً بفكرة العدل - وما يهمني في هذا المقام تحقيق الغرض من هذا التلويح - وطواف الأذهان حول فكرة العدل له مدلول، فهو يشهد بأن الإنجليز يهمهم دائماً أن تكون سمعتهم بمنجى من الأقاويل والأراجيف، فكل مشكلة خليقة بأن تعقد لها لجنة أو لجان، وكل ثورة أهل بأن يطب لها بالترفق والاستبقاء، ومن هنا كان الإنجليز أساتذة الأمم في فن (الدعاية) وعنهم تعلم الطليان والألمان. وفن الدعاية يراد به (تحديد الموقف) وموقف إنجلترا في دعواها هو دائماً موقف المصلح المظلوم، وهي سياسة تدل على براعة أولئك الناس في التخلص من مواطن الشبهات. والسياسي الحق هو الذي يهتف في كل لحظة بأنه من الأبرياء، براءة الذئب من دم أبن يعقوب، وإن كان أعرف المخلوقات بمصدر العدوان على ذلك الشهيد!
فإن نظر طلبة السنة التوجيهية إلى كتاب حافظ عفيفي، كما نظرت إليه، عرفوا منه أشياء وأشياء، ولم يفهم غرض المؤلف فيما طواه بفضل براعته الفائقة من دقائق الشؤون، والسياسيون يطوون أغراضهم في بعض الأحيان!
أسلوب المؤلف
هو أسلوب علمي يخلو خلواً تاماً من التحسين والتجميل، ويمتاز بالوضوح والجلاء، وقد تقع فيه ألفاظ تحتاج إلى تعديل، كأن يقول (الجمعية الإنجليزية) وهو يريد (المجتمع الإنجليزي) وقد يقع في تعابيره شيء من الغموض، كأن يقول:(ولم يترتب على عدم وجود نصوص محدودة لسلطة مجلس النواب الإنجليزي تحديد في الواقع لسلطته)، فهذه