للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحكومة أن تهيئها للعامة لترضي رغبتهم الملحة في التثقيف والتنوير، ولتمدهم بشيء يتحدثون عنه وتلوكه ألسنتهم، حينما يجلسون ليقتلوا أوقات فراغهم. ولقد سمعت بأمة مجاورة لكم قد عملت وزارة للدعاية وتنوير العامة. وكم أفعم هذا الخبر قلبي سروراً، لأنه يدل على أن من بين أعضاء حكومة الأمة من يقدرون الأخطار التي تنجم ترك العامة يطمعون أخلاط الثقافات والآداب والموسيقى لا فرق بين غثها وسمينها، فتؤثر هذه الأخلاط في نفوسهم، وتحملهم على الثورة وسوء النظام

المربي: أحسب أنك لا تمتاز كثيراً عن الفاشستي! كيف تحل هذا النوع من الدعاية الحكومية التي يقصد بها استرقاق عقول الناس، وحقنهم بالأكاذيب، والأخبار المموهة؟ إن هذا لهو القضاء النهائي على الحرية

أفلاطون: وهل يتمتع حقاً أبناء شعبك بالحرية؟ أليسوا هم أيضاً أرقاء للأكاذيب والأخبار الفجة التي يطالعونها كل يوم في الصحف، وفي السينما، وفي القصص الروائية، ويسمعونها من الخطباء في الأندية والنقابات؟

المربي: يجب أن أعترف بكراهيتي لهذا النوع البخس من الصحف اليومية التجارية، ولهذا النوع الدون من إنتاج السينما. ولكن لا تنس أن الإنجليزي حرمها كانت الحال ليختار لنفسه، فهو ليس مجبراً لأن ينصت لجانب واحد من الدعاية، بل له أن يسمع كل الآراء والقضايا، ويكون هو بعد ذلك حكمه الخاص

أفلاطون: لا تتعجل في نتائجك. أنت تقول: إنه حر الاختيار فكيف يتسنى له هذا إذا لم يكن عنده مقياس للاختيار، ولم يكن له المحك الذي يميز به الزيف من الصحيح؟ من المؤكد أنه لا يستطيع الاختيار. ولذلك فهو زائغ الفكر متحيراً، قد بهرته أسراب الخيالات التي تطن في أذنيه طنين النحل، حتى لا يدري أواقف هو رأسه أم على قدميه. صحيح إن سماع أخلاط من الأخبار المموهة أكثر إمتاعاً من سماع خلط واحد، ولكني لا أستطيع أن أفهم لم تدعي أن الفرد في الحال الأولى حر ليختار وفي الحال الثانية رقيق يقبل كل ما يسمع. إن حقيقة الأمر هي أنه ما دام الفرد لا يستطيع التمييز بين الزيف والصحيح فليس بحر، سواء أكان هذا الفرد إنجليزياً أم ألمانياً أم أثنياً

ولذلك فإنني حينما أفكر نظام التربية القائم عندكم، والذي تقولون عنه إنه تجربة في الحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>