عنها أهلها. ثم عرف قصة الرجل الذي ذهب يطلب كتاباً ففقد طربوشه وعاد صفر اليدين.
والغريب أن هذه الرحلة الهائلة وما امتلأت به من الأخطار كانت كلها في القاهرة، وفي ساعات قصيرة، ولست أدري فيم يحتاج الذين يحبون الأخطار إلى التماسها في الصحراء أو في الجبال أو على الذين يحبون الأخطار إلى التماسها في الصحراء أو في الجبال أو على البحر المحيط، مادام الانتقال من حي من أحياء القاهرة إلى حي آخر، خليقا أن يرينا من الهول والخطر مثل ما رأى صديقنا الكاتب الأديب ومن هنا نستطيع أن نفهم ضيق المازني بالأدب والأدباء، وبالكتب والمؤلفين وتضرعهم المتصل إلى الله أن يعفيه من هذه الصناعة التي يشقى بها، ولكنها تسعد به وتسعد الناس أيضا. ولكن الأستاذ المازني يتساءل في شيء من الحيرة أيجب أن يقرأ ما يريد هو أم يجب أن يقرأ ما يريد الناس؟ وإذا سمح لي بأن أجيبه فإني أرى أنه ملزم بان يقرأ ما يريد، وبأن يقرأ ما يريد الناس، مادام قد أقبل على صناعته هذه راضيا بها أو مكرها عليها، ولكن السؤال الذي أحب أنا أن أسأله هو. هل يظن الأستاذ المازني أنه أبرأ ذمته أمام القراء وأمام المؤلف بهذا الفصل البديع الذي كتبه منذ أيام، فحدثنا فيه عن النقد والطربوش وزجاج النافذة، وعما تحمل الأرض من وحل، وما تمطر السماء من مرق؟ فان كان يظن أنه قد أرضى قراءه وصاحبه بهذا الفصل فقد أصاب وأخطأ في وقت واحد: أصاب لأن الفصل بديع، وأخطأ لأنه لا يغني من النقد شيئاً، فلن يعفيه صاحب الكتاب من الإلحاح عليه، ولن يدعه حتى يقول إنه قد قرأ هذا الكتاب فرضى عنه أو سخط عليه.
وسؤال آخر، أحب ألا يغضب صديقي المازني حين أسوقه إليه. ما باله يطغى على نفسه ويسرف عليها في الطغيان، ويصورها هذا التصوير الذي لا يلائمها بحال من الأحوال، والذي لا نحبه لها؟ فهل من الحق أنه هياب إلى هذا الحد؟ كلا، ولكنه يحب أن يعبث بنفسه فيسرف في العبث، وأكبر الظن أننا ان حدثناه في ذلك ضاق بنا وضجر، وشكا من هؤلاء الطفيليين الذين يدخلون بين الناس وبين أنفسهم، وقال إذا لم يكن لي الحق في أن اعبث بنفسي فلمن يكون الحق في أن يعبث بها إذن؟ أما أنا فأجيب الأستاذ بأن هذا الحق ليس مباحاً لاحد، ولكن الناس يستبيحونه لأنفسهم، سواء أرضى الأستاذ أم لم يرض، وأنا أتحداه، وأطلب إليه، أن يريني كيف يستطيع أن يمنع الناس من أن يتناوله بما يحبون من