تحدث عبد القادر باشا عن (السذاجة المصرية) في تقدير ما للشهور والأيام من غرائب وأماثيل.
ومن رأي هذا الباحث أن ما قيل عن الأيام والشهور في عهد رمسيس الثاني لا يزيد عما يقال في عهد فاروق الأول، فهي هنا وهناك صور لأوهام العوام الجهلاء، وليست حجة على العقل الصحيح لأهل هذه البلاد، فما يقال عن يوم ٥ طوبة في عهد رمسيس الثاني شبيه بما يقال عن يوم ٥ طوبة في عهد فاروق الأول. ومعنى ذلك أن العوام لهم آفاق غير آفاق الخواص، وإلا فمن الذي يصدق أن أهل مصر في هذه الأيام يبنون أحكامهم المعاشية على ما يرد في مثل تقويم (طوالع الملوك)؟
شاهد رابع
وفي هذا الشاهد تظهر القوة المنطقية لهذا المؤلف الحصيف، فالمدنية المصرية هي أقدم المدنيات في التاريخ، وآثار المصريين هي أقوى وأنفس وأثمن ما أثر عن القدماء في جميع المماليك والشعوب؛ وقد دامت المدنية المصرية القديمة أكثر من أربعين قرناً في وقت لم يكن فيه لغير مصر سلطان ملحوظ في المشرق أو في المغرب، فهل كان يمكن للمصريين أن يتفقوا على العالم القديم بلا علم وبلا أخلاق؟
وكيف كان يمكن للمصريين أن يسودوا إذا صح أنهم صح أنهم كانوا جهلاء؟؟
وكيف يجوز عليهم الجهل وقد خلفوا آثاراً فنية وأدبية هي الغاية في براعة الأذواق ورجاجة العقول؟
وهل من الجائز عقلاً أن تقام الأهرام في بلد لا يعرف أهله قيمة النظام وقيمة التطلع إلى الخلود؟
وهل يستطيع إنسان موهوب أن ينكر أن آثار الأقصر هي أثمن ما خلفت الإنسانية في عهدها القديم، إن صح أنها استطاعت خلق ما يفوق تلك الآثار في العهد الحديث؟
وبأي قوة سحرية جاز لتلك البقعة النائية أن تكون عروش القرون الخوالي؟
لقد شغلت نفسي بأسرار تلك البقعة من الوجهة الطبيعية، فلم أجدها تنتج غير اللحوم