والبقول، فهل يكون سر التفوق في غزارة اللحوم والبقول؟
إن كان ذلك، فكيف انقضى عهد العظمة (الأقصرية) بعد ذلك التاريخ؟
وكيف انتقل مجد مصر من الجنوب إلى الشمال؟
تلك أسئلة توجه إلى الأستاذ عبد القادر حمزة، فهل يجيب؟
أما أنا، فأقول: كان المصريون تحصنوا بالأقصر ليسلموا من عدوان الوافدين من جهة الشمال، وبذلك حصروا نشاطهم الفني والاقتصادي في (كعبة) الأقصر، كما حصر العرب نشاطهم الفني والاقتصادي في (كعبة) الحجاز، والتاريخ هو التاريخ، وإن تلونت الأشعة والظلال.
عراقة المدنية المصرية
شغل المؤلف نفسه بالتدليل على عراقة المدنية المصرية، وهي أقدم مدنية عرفها التاريخ، ولا ينافسها في القدم غير حضارة الكلدان في وادي الفرات
وعلى الطالب أن يقرأ ما كتب المؤلف في هذا الموضوع بعناية وتدقيق، ولكن يجب قبل ذلك أن يعرف الأصل الذي استوجب عراقة المدنية المصرية، وذلك الأصل هو النيل، فالنيل هو النهر الثاني في العالم بعد المسيسيبي من حيث القوة، ولكنه النهر الأول في العالم من حيث المدنية، فهو اقدم نهر قامت على شواطئه كبريات المدائن، وأقدم نهر نُظمت فيه الملاحة واتخذت مياهه مطايا لخدمة الاقتصاد، وهو كذلك أقدم نهر أوحى إلى أهله عرائس الشعر والخيال.
فإذا تمثل الطالب هذا المعنى كان عليه أن يذكر أن المصريين أسبق الأمم إلى حفر الآبار، لأن أرض مصر لينة جداً، ولأن الماء مخزون في جميع البقاع بهذه البلاد، وقد يوجد في سفوح الجبال، وهذا وذاك يشرحان السبب في تعلق المصريين بواديهم أشد التعلق، حتى صاروا مثلاً في بغض الهجرة والارتحال.
أقول هذا لأؤيد حجة الأستاذ عبد القادر حمزة في قوله بأن المدنية المصرية بنت مصر لا بنت شعب آخر، ولو قال إنها نبت مصر لكان التعبير أظرف، لأن المدنية المصرية نشأت في خصائصها الأصلية وكأنها من عمل الطبيعة لا من عمل الناس
والمشكلة هي درس مسألة السبق إلى المدنية، فهل كان السبق للمصريين أم للكلدانيين؟