ويسيطر على سلوكه خيال إنجليزيته سيطرة عظيمة عند علماء النفس تأويلها؛ أما أنا فعملي عمل المصور الخبيث، فأراه إذا تكلم الإنجليزية مثلاً - وقل أن يتكلم غيرها - يلعب بفكيه لعباً لن أستطيع أن أنكر ما فيه من مهارة، وإلا كنت مكابراً حقاً. وأراه يلعب دور الملحن أيضاً فهو لا يقنع بالمبالغة في إمالة ما يتطلب الإمالة من الحروف، ولا بتفخيم بعض الألفاظ وترقيق البعض، ولا بمد أواخر كلمات واختطاف أواخر كلمات غيرها، ولا بالإتيان بغنة هنا وشنشنة هناك، ولا هناك، ولا بقلقلة لسانه فيما يقابل (الراء) عندنا من الحروف ليخرجه بعد حشره بين وسط اللسان وسقف الفم. . . لا يقنع بذلك كله وإنما يحاول أن يكون صوته كصوت الإنجليز فلا يتسق له وا أسفاه إلا خليط من اللغط والمواء يحمل أشد المحتشمين على الضحك. ولقد رأيت أحد الإنجليز يستمع إليه وهم أهل كياسة ودماثة، فلم يتمالك نفسه من الضحك فحجب وجهه بورقة في يده وضحك ملء نفسه ثم عاد يحاول في جهد الاحتشام والوقار. . .
وإذا اضطره إلى العربية جانب من عمله جاءك بها في ثوب إنجليزي وتسمعها على لسانه غريبة أكثر عوجا ولكنه في جرسها وإخراجها مما لو جرت على لسان أحد أساتذة إكستر أو لفربول وقد تعلمها منذ أسبوعين!
وهو برم بمجتمعنا وتقاليده، فكل شيء فيه سخيف عنده؛ وإنه ليتعرف لديك في غير تحرج أو استحياء أنه لا يزور ذوي قرباه إلا كل عامين أو ثلاثة لأن صدره يضيق بما يرى بينهم من تقاليد وعادات بالية عتيقة. رجا منه مرة أحد أصدقائه ألا ينسى أمراً من الأمور، فهال الصديق أن يراه يغضب أشد الغضب ثم يصعر خذه ويشمخ بأنفه قائلاً: (أنا أنسى , ?
وليس للفن المصري في رأيه أثر في الوجود، ولا للموسيقى المصرية وقع في النفس، ولا للأدب نصيب من لا حياة، ولا للحياة المصرية كلها وضع من أوضاع الذوق. . .
وبعد فليت هذا الذي يتشبه بالإنجليز هذا التشبه؛ يحاكيهم في غير الحلة والحذاء والغليون واللهجة! نعم ليته ينقل عنهم بعض ما بهروا به العالم من خلفهم، بل ليته علم أن الإنجليز أبعد الناس عن التقليد السخيف لأنهم لا يرون بينه وبين الصعلكة كبير فرق!