وإن استطال ناس على الدكتور طه بقواهم البصرية، فلن يستطيعوا الاستطالة عليه بقوى الفهم والذكاء، وإنه لشاهد على أن الله يؤتي الحكمة من يشاء.
أسرار كتاب (الأيام)
حدثني الدكتور طه بك أنه ينتظر رأيي في كتاب (الأيام) عساه يعرف كيف فتن به الناس حتى جاز له أن يترجم إلى عدة لغات في بضع سنين.
وكلام الدكتور طه في هذه القضية ليس من التواضع المصنوع، فمن المحتمل أن تغيب عنه قيمة هذا الكتاب الطريف، لأنه بالنسبة إليه غير طريف، وإنما تظهر طرافته للمبصرين، لأنه يطلعهم على آفاق من حَيَوات العميان قد تكون عند أكثرهم من المجاهيل.
ويزيد في طرافة هذه الاعترافات أن بعضها معيب، فصدورُها من رجل مثل طه حسين يشهد بأنه فنان يقيم فنه على قواعد من الصراحة والصدق، وإلا فما الذي يضطر رجلاً في مثل مركزه إلى أن يعترف بأنه كان في طفولته يجلس من أبيه ومن سُمَّاره مَزْجَر الكلب؟ وما الذي يقهره على التصريح بأنه كان يرى الدنيا بيديه فيعبث بالنعال الموضوعة حول دكة معلم الأطفال، ثم يمعن في تقليبها واختبارها حتى يعرف بالضبط عدد ما فيها من خروق ورقوع؟ وما الذي يحوجه إلى النص على أن ذمته كانت اتسعت كما اتسعت ذمة (العريف)، وأنه كان يرشو ويرتشي بلا تحرج ولا استحياء؟
وكيف يجوز لرجل أن يهجو اخوته، وأن يعرض بجَده وبأبويه، إلا أن يكون رجلاً سما بعقله وفنه عما في المجتمع من تصنع ورياء؟
يشهد طه حسين بأنه كان يستغفل أباه في بعض الظروف، ويشهد بأن المكاره التي عاناها في طفولته وفي صباه أورثته ألواناً من الاضطراب والخبال، فهل تصدر هذه الشهادة عن رجل يستر ضعفه بتناسي ماضيه؟ أم هي حجة على أنه أكبر من أن ينكر ذلك الماضي البغيض؟
طفولة طه حسين كما صورها بنفسه لم تكن طفولة مهذبة الحواشي، ولكن من الذي يزعم أن الأطفال ينشئون مبرَّئين من الهنوات والعيوب؟
الطفل في نشأته ضعيف، وهو لضعفه يداور ويماري ويحتال، فليس من الغريب أن يلجأ