للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أغراض المؤلف

للمؤلف في ظاهر الأمر غرض واحد: هو تسجيل رحلته في الصحراء، ولكن من الذي يقف به القلم عند ما كان يريد؟ إن النفس تتفتح عند حمل القلم من وقت إلى وقت، وتتنادى خواطرها من فصل إلى فصل، فإذا بلغ القلم نهاية الشوط كانت النسبة بين ما ابتدأ به وما انتهى إليه كالنسبة بين النواة الضامرة والسَّرحة اللفَّاء.

يقع كتاب أحمد حسنين في عشرين فصلاً، وله في كل فصل مجالٌ خاص، وفقاً لاختلاف الأغراض.

فالفصل الأول عن الصحراء من نواحيها المادية والروحية، وفي هذا الفصل كلام يقوله كل الناس، إلا كلامه عن الشوق إلى ما في الصحراء من متاعب وصعاب، ولا تظهر قيمة هذه النزعة لمن يقرأها في الفصل الأول إلا حين يعاني قدها في الفصل الأخير، ذلك بأنها تواجهه أول مرة وهي أشبه بالفلسفة الروحية، والناس قد يقرءون الفلسفة هادئين، ولكن هذه النزعة لا تواجه القارئ في الفصل الأخير إلا بعد أن يكون شارك المؤلف في الأنس بالصحراء، وعندئذ يحق له أن يتوجع لبلواه حين يقول وقد وصل إلى دار الأمان:

(ودب في نفوسنا جميعاً دبيب الابتهاج بعودتنا إلى الاتصال بحياة الحركة، ولكني شعرت حين انقلبت إلى فراشي بوخزة حزن في قلبي، لأن ذلك اليوم كان آخر أيامي في الصحراء، ورأيتني أضيف إلى صلوات شكري دعاه خالصاً أسأل الله فيه أن يقدر لي العودة إليها يوماً من الأيام).

وفي الفصل الثاني يتكلم المؤلف عن وضع خطة الرحلة فيقول كلاماً يقوله سائر الناس، ولكنه يفاجئك بكلام نفيس عما صنع أبوه رحمه الله، وهو يزوِّده بالبخور والدعوات الصالحات ومن كلامه عرفت أشياء من عادات العرب في التأهب للرحيل.

وقد أطنب المؤلف في الثناء على أبيه، ثم أعرب عن فجيعته لوفاته بعبارات لا تصدرُ إلا عن نجباء الأبناء، وما مات من خلَّف مثل أحمد حسنين.

وفي الفصل الثالث يقف المؤلف موقف المعلم لمن يحاولون اختراق الصحراء، فيقدم من المعارف الضرورية للمغامرين أشياء يحتاجون إليها أشد الاحتياج.

وفي الفصل الرابع تظهر طلائع المخاوف، ونرى كيف يضطر الرحالة إلى تغيير خطة

<<  <  ج:
ص:  >  >>