للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإنما أرى من الحتم أن أوجه الطلبة إلى درس هذا الكتاب، ولا يتم ذلك إلا بدعوتهم إلى تعقب ملاحظات المؤلف، وتعرُّف ما كان يجول بنفسه من خواطر وشجون.

وأقول إن المؤلف مولع بوصف الأجسام فلا يرى شخصاً إلا حدثنا عن قوامه وعينيه، فما سر ذلك؟

يرجع السر إلى أن المؤلف عاش دهره موصول الأواصر بالأندية الرياضية، ومن هنا غُرست في نفسه بذور الثقافة الجسمية، فهو ينظر إلى الأجسام قبل أن ينظر إلى العقول، وهي نظرة تدل على أنه رجل هذا معنى غرام الرجل بالإبل والخيل، فهو جمّال إن أردت، وفارس إن شئت، وهو فوق هذا وذاك يحس مذاق الظل، وقد يتذوق طعم الغُبار في بعض الأحايين.

يمرّ أحمد حسنين بعظام رجل ميت فيستأنس، وكان الظن أن يستوحش، وإنما استأنس برؤية عظام الميت لأنها تشهد بأنه يسير في طريق سلكها الناس من قبل.

ويهتم أحمد حسنين بدرس عادات البدو دراسة مضمّخة بعَبير الشوق والحنين، وهو يرد تلك العادات إلى أصولها من العواطف الذاتية، فالفتاة التي يحرق حِذاءها البارود تُزهَي وتختال، لأن ذلك شاهد على أنها تَغُلّ الباب الرجال.

وفي هذه المرحلة يصرخ أحمد حسنين صرخات تنطق بأنه من أصحاب الأذواق.

وهذا الرجل المفتون بالبادية هو أيضاً مفتونٌ بالحاضرة أعنف الفتون، فلا يطيل المكث إلا في المواطن التي يكثُر فيها اشتباك العواطف والأهواء

وهنا أظفر بأحد مقاتله فأصرح بأنه لم يعش طويلاً في الواحتين الجديدتين - وهما محصوله الأصيل في تاريخ الاستكشاف - وإنما عَبَرهما عُبور الطيف، لأنهما خاليتان من مواسم العيون والقلوب.

وما عددت هذا من مقاتله إلا رياءً، فالجمال الحقيقي هو الجمال الإنساني، لأنه يفهم عنا ما نريد؛ أما جمال الطبيعة فهو جمالٌ غبيٌ بليد، ولا يكتفي بالأنس به إلا الممتحنون بالحرمان، وما كان أحمد حسنين من المحرومين.

أحمد حسنين يتفاءل في فرصتين: الأولى أن يَرمِىَ ظبياً فيصميه، والثانية أن يرى في صبيحة السفر وجهاً جذاب الملامح وضّاح الجبين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>