للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فمن يكون الرجل السليم إن لم يكن هذا الرجل نموذجاً للرجل السليم؟

ثم يجب النص على اهتمام أحمد حسنين بأداء الصلوات، والتبرك بالأذان، فتلك شواهد على ما صرح به غير مرة من أن الصحراء تزيد من قوة الإيمان، وهو التصريح الذي أتاح لمعالي الشيخ مصطفى عبد الرزاق بك أن يقترح إرسال علماء الأزهر إلى الصحراء!! والنكتة الدقيقة من أبرز عناصر الفن الرَّفِيع

الأسلوب

أحمد حسنين ليس من أصحاب الأساليب، فليس له في الإنشاء مذهبٌ خاص، وهو فيما نعلم لم يفكر في أن يكون له مكان بين الكتّاب، وإن كان من أكابر الأدباء

وقد أنشأ كتابه أول مرة بالإنجليزية، ثم ترجمه إلى العربية وهذا يفسِّر ما نشهد من تفاوت الأسلوب من حين إلى حين.

ولكن الكتاب مع هذا على أعظم جانب من الحيوية، فما سرّ ذلك؟

يرجع السر إلى قوة إحساس المؤلف، فكل سطر من كتابه ينطق بأنه يَعنِي ما يقول، وسياق الحديث يدل في كل صفحة على أن الرجل جابَ الصحراء وهو مرهف الحِسّ ذكيّ الجَنان، وملاحظاته فِطريَّة بعيدة من التكلف، فهو يُشعِرك بأنه بدويٌ لا يرى غير ما في البادية من مخاوف وآمال، وهو ينقلك إلى تلك المجاهيل بقوة سِحرية فتسايره بتلهف وتشوق، كأنك عانيت من صابها ما عانَى وذقت من رحيقها ما ذاق.

وإحساس أحمد حسنين يصل به إلى تذوق جميع الألوان، هو إحساس رجل سليم يرى ويسمع ويذوق بقوة وعنف، وكأنه طفلٌ يطَّلع أول مرة على غرائب الوجود

تقدَّم إليه المائدة وهو في البادية فيُقبل عليها إقبال البدوي الغرثان، وينص على أنه أكل بشهية، ثم يصف ألوان الطعام بإسهاب، وذلك لا يقع إلا من رجل مدَّرع بالعافية

ويدرس الوجوه باهتمام شديد، حتى جاز أن يحكم لفتاة بالجمال، ولم ترها عيناه، لأنه لاحظَ أن أخاها جميل

ويدرس عواطف أصحابه بمهارة وحذق فيعرف ما يطوون في صدورهم من لواعج وأشجان، ثم يمضي فيتعقب ما بينهم وبين نسائهم من كدر أو صفاء، وهذا التطلع لا يقع إلا من رجل متشوف إلى درس الغرائز والطباع

<<  <  ج:
ص:  >  >>