ماء، أو ترسم صورة أو تقيم تمثالاً أو تمتهن حيواناً لخدمتها. . . وإنما يبدو من الطبيعة أن كل شيء فيها كان ينتظر وجود هذا النوع ليقول ليده وفكره: هاأنذا لكما!
وما زالت المرآة التي فيه وهي عقله تتطبع فيها صور الكائنات واحداً وراء آخر وهو يحولها وينقلها من عالم الجماد والصمت إلى عالم الأسماء والبيان والصور والتعبير حتى فرغ منها أو كاد. . .
وما زال يدور حول ظواهر المادة وصورها وأشكالها ويحللها وينبش فيها ويسبر أغوارها حتى وصل إلى عالم الكهارب والأثير وهو الآن يجري اختباراته وتحليلاته على هذه الأصول الأولى للمادة ليكثفها أو يرققها ويتحكم في إخراج أنواعها بعد أن وصلت يده إلى مفاتيح توجيهها.
إنه تعمق في عالم الأجسام والقوى حتى وصل إلى مصادر الحياة الآلية ومادة الوجود الأولية، وتعمق في عالم المعاني والأفكار حتى وصل إلى الخفقات الروحية العليا والرياضيات العليا التي قام عليها تخطيط الطبيعة وهندستها
وإنه ليركب ما في الكون من المعاني كما يركب ما فيه من مواد، فيقيم الكتب العامرة والمقالات الحكيمة والصلوات المطهرة والألحان الساحرة كما يقيم القصر الكامل الجميل والصرح المشيد والقاطرة والطائرة والباخرة. . . وإنه ليسافر بفكره في الآفاق العليا كما يسافر بصوته وصورته في صندوق الراديو. . . وهكذا هو يتوجه في عالم المادة والقوى العمياء كما يتوجه في عالم الروح الواعي والفكر المميز المبصر الحاكم. . . وهكذا هو رباط بين العالم الساكن الخفي وبين العالم المتحرك المرئي
إن تكن للشرق الإسلامي رسالة جديدة في هذا العصر تضاف إلى رسالاته السابقة في العصور الخوالي فهي رسالة الدعوة إلى الإيمان بالإنسان سيد الأرض، وحبه وخدمته ومعرفة قيمته. . . ثم الضرب على أيدي محترفي السياسة واللاعبين بالشعوب ومؤرثي العداوة بينها في سبيل الأمجاد الشخصية والأطماع والتسلط والاستبداد والإخلاد إلى منطق الغرائز السفلى التي ما وضعها الله في تركيب الإنسان إلا لتكون له كالعجلات ودواب الحمل وآلات الدفع للقافلة السائرة إلى غاية