للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما الشهوة فلم يصورها توفيق الحكيم، الشهوة العارمة التي تزلزل أعصاب الرجال

وأما الحب فقد عرض له توفيق بأدب ولطف، كما يصنع العذريون الضعفاء

بقي الإيمان، فماذا صنع توفيق في وصف الإيمان؟ وماذا صنع في تشريح أوصال الارتياب؟ وأين المعركة التي أثارها بين نسائم الهدى وزوابع الضلال؟

(أيها القديس! أيها القديس!)

تلك أنشودته في التذكير بالنشوة الروحية، فأين أنشودته في التذكير بالغيِّ والرِّجس والإثم والفتون؟

المحصول الفني لصاحبنا توفيق الحكيم يرجع إلى صنف واحد هو البهرجة الروائية، أما التعمق في الفكرة، فهو غرضٌ لا يصل إليه إلا بمجهود شاق

لو كان التوفيق من حلفاء توفيق لأدرك أن من المستحيل أن تكون بريسكا لم تحسَّ الحب إلا أول مرة عند لقاء ميشلينا، وقد نشأت في أحد القصور الرومية، وهي قصور أقيمت على قواعد من طغيان الأهواء والأحاسيس، وكان من الخير لفنه أن يخضعها لذلك الطغيان

ولو كان التوفيق من حلفاء توفيق لجعل موت ميشلينا في القصر لا في الكهف، فالقصور هي ديار العطب، أما الكهوف فهي ديار الأمان

وكان من همّ توفيق أن يجرّد الراعي من جميع العواطف، فما سبب ذلك؟

هنا عُقدة إنسانية لم يَفطِن إليها توفيق، وهي احتباس العواطف في النفوس الفطرية، فما الذي كان يمنع من تشريح أهواء العوامّ لذلك العهد، وهم صورة مكررة في التاريخ؟

منع من ذلك أن الأستاذ توفيق الحكيم لم يحدد الغاية من تلك المسرحية، وإنما حصر همه في الرقش والتزيين والتهويل، فكان ما أراد!

والمعروف عند مؤلفي المسرحيات في أكثر الشعوب أن اللون المحليّ يُنتصب له ميزان، فأين اللون المحليّ في مسرحية أهل الكهف؟ هل شعرنا بأن عهد دقيانوس يخالف عهد بيدروس - الذي جهله توفيق - إلا في توافه الشئون؟

الخلاف بين العهدين يرجع إلى اختلاف الملابس والنقود، فأين الخلاف بين العادات والتقاليد وبينهما ثلاثمائة سنة وتسع؟

وأين الخلاف بين ألوان الحقائق وألوان الأباطيل، بعد اعتراك الأهواء والآراء في تلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>