كانت المسيحية لعهد دقيانوس تعاني اضطهاد الوثنية، وقد فصّل ذلك توفيق، وهو معنى سجله القرآن من قبل، فكيف كانت المسيحية في عهد بيدروس؟ لقد سكت عن ذلك توفيق سكوت أهل الكهف بعد الرقاد الأخير، مع أن الكلام في هذا الموطن أنفس من السكوت، فقد كانت المسيحية تحولت إلى معضلة عقلية، بعد أن كانت نفحة روحية، ولكن توفيق نسى أن ميدان هذه القصة مَصال فكر قبل أن يكون مجال خيال
الظاهر أن الأستاذ الحكيم لم ينظر إلى عصر الرواية من الوجهة العقلية والدينية، وأريد العصر الذي وقع فيه البعث، وهو الفيْصل في مكان تلك القصة من معترَك الشك واليقين.
وقد اهتم توفيق بأن يجعل في أصحاب الكهف رجلاً مُقلقل الإيمان بالمسيحية - وهذا ينافي الاعتقاد الموروث - فماذا استفاد من هذا التشكيك؟
كنت أنتظر أن يستفيد من هذا التشكيك فيقدم لنا بعض ملامح الوثنية على لسان ذلك المؤمن المرتاب، ولكنه لم يصنع، فلأية غاية فنية أو عقلية أثار ذلك التشكيك؟
كان من واجب توفي أن يشرح تلك الوثنية في صفحة أو صفحتين، ولو على طريق الغمز والتجريح، لأن الوثنية لم تُخلَق من العدم، وإنما هي صورة من أهواء النفوس وأحلام القلوب
توفيق لم يصنع شيئاً ذا بال في هذه المسرحية. لم يصنع شيئاً يضيفه إلى أقطاب الفكر، وإن كان صنع شيئاً يضيفه إلى أرباب الخيال
وهنالك فجوة عميقة في صحة التخيل، فأصحاب الكهف بُعِثوا في مدينة اسمها طرسوس، وكان يجب أن يبلبلهم المؤلف فيذكّرهم بأن مدينتهم كانت تسمَّى أفسوس، وقد تغير ما في المدينة من ملابس ونقود، ولم يتغير قصر المُلك، فكيف وقع ذلك؟ وكيف جاز أن يجد ميشلينا غرفة الزينة على عهدها المألوف قبل يومين وقد مرت عليها ثلاثة قرون؟ وكيف جاز لميشلينا أن يحلق ذقنه بيديه كما يصنع توفيق الحكيم في هذه الأيام؟ ومتى كان حلق اللحية من مظاهر التزيُّن عند القدماء، ولاسيما المتطلعين منهم إلى منازل التكريم والتشريف؟
كان توفيق الحكيم يحتاج إلى هذا الدرس ليعرف أن المسرحيات لا تولد في أيام معدودات،