وقد ترفقت به كل الترفق، لأنه من أعز أصدقائي، وللصداقة حقوق
توفيق الحكيم في أهل الكهف
يتعثر المؤلف في الفصل الأول، وهو تعثُّر توجبه وضعية الرواية، كما يعبِّر أهل العراق، فأصحاب الكهف يستيقظون من سبات عميق، يستيقظون على أهواء كان لها في حياتهم وجود قهّار، ولكنها أهواء مزعزعة الرسوم والحدود، بفضل ذلك السُّبات العميق
فإذا كان الفصل الثاني رأينا المؤلف يصحو مع أهل الكهف فيقرر أن (قلب المرأة يتسع دائماً لله وغير الله) وأن (القصة ضمير الشعب، وأنه لا يمكن للبشرية أن تخطئ حين تتلاقى في قصة واحدة على اختلاف الديانات والأجناس، فنعرف أنه انتفع بكتاب لامرتين في تشريح سِفر أيوب. ثم نراه يقرر أنْ ليس للمحب عُمْر فنعرف أنه انتفع بكلمة الفرنسي الذي سُئل عن عمره فأجاب: ' ' ثم نراه يقول: (أستودعكما الله هانئين بشباب قلبيكما) فنعرف أن هذا من ذاك!
فإذا كان الفصل الثالث رأينا توفيقاً كبير العقل حين يقرر أن الحياة المطلقة المجردة من كل ماض ومن كل صلة ومن كل سبب هي أقل من العدم، وهل هنالك عَدَم؟ العدم الحق هو الحياة المجردة من التاريخ
ثم رأيناه يقرر أن الحب أقوى من العقيدة ومن الدين، لأن عقيدة الملائكة لم تكن إلا فناً من الحب العَصوف
ثم نرى غيرة بريسكا من فتاة تقطَّع به الزمن إلى أبعد من ثلاثة قرون فنعرف شيئاً من خلائق النساء
فإذا كان الفصل الرابع عرفنا من توفيق أن (الحُلم أحياناً كالفن، لا ينقل الحقيقة كما هي، بل يسبغ عليها من عبقريته جمالاً لم يكن، أو بشاعة لم تكن) وعرفنا أن (القلب أقوى من الزمن) وأنه لا يهمّ المرأة أن تكون قِدِّيسة، وإنما يهمها أن تكون (امرأة أحبت) فنفهم أن الحب في قلب المرأة أعمق جذوراً من الدين، وإلا فكيف صح أن تخاطب الراهبة فاطر السماوات بمثل هذا التعبير:(زوجي العزيز!)
وصدق شوقي حين قال:(الحياة الحبّ، والحب الحياة) وحين قال:
سَيْطرَ الحبُّ على دنياكمُ ... كل شيء ما خلا الحبَّ عَبَثْ