للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

متحررات عابثات كنساء باريس مولعات بتقليد الباريسيات في التأنق والتجمل إلى حد بعيد، وإن كن أجمل منهن وآنق. وكما أن باريس هي مدينة المرح والحياة ومحظ آمال الشباب في غرب أوروبا، فبوخارست هي مدينة المرح والحياة ومحط آمال الشباب في شرقها. وإذا كان شباب أوروبا يستقبل الموت اليوم في محور (روما برلين) فقد استقبل الحياة من قبل في محور باريس بوخارست. . . حتى نهاية المدينتين ـ يشاء القدر أن تكون متشابهة ـ فكما تعتز المرأة الجميلة بشبابها وجمالها وتحرص على صيانته، وتحذر أن يمسه سوء، كان ما فعلت الباريسيات، فسلمتا طائعتين مختارتين حذر أن يمس جمالها من الحرب سوء، أو يناله في الدفاع أذى.

هبطت مدينة بوخارست من عام وبعض عام، وكنت قبل سفري تتناثر حولي عن عبثها ومجونها أقوال أصدقاء لي زاروها من قبل، فلم أكن ألقى إليهم أذنا صاغية، وأحسب أن بكلامهم الكثير من مبالغات الشباب وخياله. ثم حدثتني عنها أديبة بولندية قابلتها في أثينا، فكنت أيضا كثير الشك في كلامها، وكان يعزز هذا الشك في رأسي أن بوخارست ـ وإن كانت مدينة أوروبيةـ إلا أنها أقرب إلى الشرق منها إلى الغرب، فليس ثمة مايجعلها تختلف عن نظيراتها من مدن شرق أوروبا كاستنبول وأثينا وصوفيا. فلما ركبت القطار من ميناء كونسنتزا ـ وهي مرفأ روماني ـ في طريقي إلى بوخارست، حدث ماجعلني أصدق ثم أصدق ما قيل، بل حدث ما جعلني أرى أن فيما سمعته عن هذه البلاد الكثير من القصد والإيجاز، لا المبالغة والإغراق

كان القطار مزدحما فوقفت في الممشى أتلهى بالنظر من النافذة، ثم أخذت أذني في أقصى الممشى ضجة، فتلفت فإذا شاب بدا لي من وجهة أنه تركي ـ مقبل علىً وقد تحلقت به خمس فتيات ـ أستغفر الله ـ بل خمس فاتنات، إي والله خمس

ـ وهو يسير بينهن في هيئة العروس أحاطت بها وصيفات الشرف، يجذب هذه، ويقبًل تلك، ويعانق الثالثة، وهن يتضاحكن من حوله، ويتجاذبنه من سترته! فلما بلغني هذا الموكب المرح، حيًاني الشاب ضاحكا، وجعلت الفتيات يحدقن في وجهي طويلا ثم قالت إحداهن: ـ هذا تركي آخر فقالت أخرى: - بل هو مصري وقالت ثالثة ضاحكة: ـأما تجيب أيها التمثال؟ ثم تضاحكن وانصرفن عني ضاحكات بمثل هذا العبث والمرح تقابلك

<<  <  ج:
ص:  >  >>