الفتاة الرومانية، فهي دائما باسمة مرحة، تغازلك إذا لم تغازلها، وترميك بالجمود إذا لم تسايرها في مرحها. وحسبك أن تعلم أن أول ما يتعلًمه الأجنبي في بوخارست من اللغة الرومانية ـ وهي لغة تشبه الإيطالية إلى حد ـ هي كلمات ميلة. إلى أين يا فتاة. ما هذا الجمال النادر) وما شاكل ذلك من كلمات المعابثة والمغازلة. وكثيرا ما كنت أخطيء في نطق هذه الكلمات فكانت تصحح لي النطق بها من أعابثها من الفتيات فتقول لي مثلا:(فورمواسا (أي جميلة) وليس فورموزا. انطقها هكذا فورمواسا بحرف إنك لا تحسن النطق. اصحبني لأعلمك)
فإذا بدا لك أن تكون رجل جدً واتزان، أخذن يثرنك ويغازلنك، ويتشبثن بأذيالك أينما رحت، بل يمسكن بك في الطريق، فإذا ألطفت بإحداهن ودعوتها إلى نزهة أو طعام لبتك طائعة دون روًية أو ترًيث أو تفكير، وسايرتك في كل ما ترغب، فهي سهلة القيادة لا تعرف المعارضة!
وفتاة بوخارست اجتماعية بكل ما تحتمل الكلمة من معنى. قلما تراها تسير وحيدة، فإذا لم تجد من تنازله زاملت من تصادفه في الطريق. وهي في ذلك تتخير أتفه الأسباب للتعرف، ثم تضع يدها في يدك، وتطرح التكلف والملاينة جانبا، وكأنها تعرفك من سنين. . . حدث مرة أن كنت جالسا في مقهى في شارع اليزابيتا، فدنت مني فتاة جميلة، ثم سألتني إن كنت مصريا، فلما أجبتها بالإيجاب أخرجت ورقة وقلما وسألتني أن أكتب لها اسمها باللغة الهيرغليفية. فقلت لها:(إنها لغة قدماء المصريين وقد اندثرت، ولغتنا الآن هي العربية) فقالت: (إذن فلتكتب اسمي بالعربية) فكتبته لها، ولكنها بدل أن تنصرف جعلت تتعجب من الخط، فلم أجد بدا من دعوتها للجلوس فأسرعت بالقبول ولم تقم حتى دعوتها للعشاء في اليوم التالي. . . ومثل ذلك يحدث للمرء مرات عدة في بوخارست
ومن الفتيات من لا تتحرى هذه المقدمات، فتراها تقابلك وتبدؤك بالسلام، والسؤال عنك وأني أنت يا أخي، أو هي تجذبك بيدها، أو تخطف قبعتك، أو تقبلك، أو تعانقك. كل ذلك دون أن يكون لك بها سلبق عهد! والعجب في هذا أنها تفعل كل ذلك في بساطة ودون استحياء. وأعجب منه أن هذا العمل لا يلفت أنظار المارة، على الرغم مما لا حظته من فضول الرومانيين العجيب. . . فقلما تخرج من جيبك صورة أو خطابا في الطريق دون