نعم. لقد أصبحت النظم الحالية من سياسية واجتماعية واقتصادية نظماً عتيقة لا تشرف الإنسانية في قليل أو كثير.
ولكن. أي نظم تستبدلها بها. وعلى أي صورة تكون هذه النظم هذا ما بحثه تولستوي، وكان من نتيجة بحثه أن وصل إلى رأي قاطع
- ٢ -
ولم يكن رأي تولستوي خيالاً أو أديالاً يستحيل تحقيقه، ولم يتطلب من البشر أن ينسوا بشريتهم ليصبحوا ملائكة.
وهو لا يقول لك أكثر من أن تتبع التاريخ لتتبين بنفسك مجرى الإنسانية إلى أين تسير وفي أي اتجاه تتجه.
لقد أتى على العالم حين من الدهر كان فيه أسراً وعشائر. وكانت الأسر في تطاحن وتناحر، يعتقد أفراد كل أسرة أن سعادتها في التغلب على الأسر الأخرى. ثم ظهر لهم أن لا ثمرة يجنونها من قال طويل ممل. فاندمجت الأسر في قبائل.
وبدأت القبائل دوراً آخر من أدوار التاريخ سودت صفحاته بحروب الغلبة والثأر. ثم ما لبثت أن تحققت بدورها أن سلامها في تعاونها فاتحدت القبائل. وكان من نتيجة اتحادها هذه الدويلات التي عظمت حتى سميت بعد بانجلتره وفرنسا والولايات المتحدة. . . في تتبعك لهذا الأدوار استكشاف لسر الإنسانية. فهي تتجه إلى الوحدة. وتسعى إلى الالتئام فليس من المستحيل أن تصبح الدول دولة واحدة. وبذا تنقطع من صفحات التاريخ سلسلة المجازر البشرية.
قد تقول أن هذا حلم فيلسوف وخيال شاعر. وأن ليس من الوطنية مفر. ولا من الحرب بد، وأن الشقاء والبؤس من لوازم هذا العالم. ليس في الإمكان أبدع مما كان.
ويضحك منك تولستوي. ويقول إن ما تحسبه اليوم قد حسبه أجدادك من قبل. فالأثيني ما كان يخطر بباله أن يتعاون مع أخيه الإسبرطي تحت علم واحد متناسياً أحقاده مضحياً بمصلحة مدنيته في سبيل اسم أجوف دعوه اليوم دولة اليونان
وانجلتره التي يضحي الإنجليزي من أجلها بنفسه وماله. لم يكن لها من قبل وجود. وما