للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبحضوري وصاحبي في تلك الساعة

واتجهت الأنظار إلى الشيخ وكان صاحبي من الدهشة كأنه ذهل عن نفسه؛ وساد السكوت لحظة فما يتكلم أحد حتى يتكلم الشيخ. وكنت قبل دخولنا الحجرة تبينت صوته وهو يتحدث عن المال وأنه عرض زائل، وعن الجود والبخل، وفطنت إلى أنه كان في سيرة أحد البخلاء. ولم يفطن صاحبي إلى شيء لدهشته ولأنه لا يعرف صوت الشيخ. وغمغم الشيخ ثم عاد إلى ما كان فيه من حديث، ولحديث البخل عنده قيمته فقال: (هيه. . . سبحان من يرث الأرض ومن عليها. . . هو حد منا راح يأخذ حاجة معاه. . . يا ما فلوس بتروح في المسخرة)

وتشعب الحديث، وأديرت علينا أقداح القرفة أكثر من مرة ونحن لا نستطيع لما نسمع من الأيمان لها رداّ. ثم سمعت صاحب الدار يسأل عن شخص اسمه عمر ورأيت الشيخ ينهض واقفا ثم يجلس بعد بضعة ثوان؛ ولكنه لا يلبث حتى ينهض مرة ثانية فعجبت وخفت أن يكون ذلك منه نذيراّ بحريق جديد؛ وما جلس للمرة الثانية حتى صاح صاحب الدار بمن يدعى عمر كرة أخرى. فهب الشيخ واقفا من فوره، ففطنت أنه لن يطيق أن يسمع اسماّ من أسماء الخلفاء الراشدين وهو جالس، وتتبعته أنظر مبلغ ما في هذا الظن من صحة فاتسق لي القياس كل مرة

وكان ذلك قد ألهاني لحظة عن صاحبي الذي سرت الدهشة في وجهه لذكر نصف الريال والذي أخذ إجلاله للشيخ وإيمانه به يتغلب شيئاّ فشيئاّ على مظاهر النكران والجحود في وجهه وخوافي العلم والفلسفة في نفسه ورأسه!. . .

ودخل رجل فشكا إلى الشيخ أن ابنه لا ينام مستريحا، وتناول الشيخ ورقّا وقلماّ وخط له حجاباّ وصرفه فخرج الرجل فرحاّ مطمئناّ. ودخل ثان فشكا إليه أنه محروم من البنين وأنه يتحرق شوقا إلى غلام يؤنسه وللشيخ ما يطلب. وضحك الشيخ من سذاجته إذ يصرح أمام الناس أو يظن أن الشيخ يطلب شيئاّ، وطلب الشيخ منه منديلا فلم يجد معه شيئاّ فأخذ طاقيته ووضعها في حجره وقرأ ثم قرأ وردها إليه وبشره بغلام؛ ونهض الرجل وكأنه يحمل بين يديه ذلك الغلام , , ,

ودخلت امرأة ملففة في ثيابها وطرحتها ترجو من الشيخ رقية لوحيدها كي يعيش، فجاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>