عليه الشيخ برقية وخرجت المرأة مزهوة؛ ودخلت بعدها غيرها تستجير ببركة الشيخ، فإنابنتها يرتعد جسدها الملتهب وتمسكها (الملعونة) حتى ما تفارقها؛ وفهمت أنا أن المسكينة مريضة بحمى كانت الملاريا، وأمرها الشيخ أن تحضر وعاء به ماء، فذهبت فأحضرته، وتناوله الشيخ فقرأ ثم قرأ، وصاحبي ينظر دهشاّ، وبصق فيه الشيخ بصقة على رغم علم صاحبي وفلسفته، وناوله المرأة لتشرب ابنتها من ذلك الماء أثناء الليل، وكم تمنيت لو قفزت من مكاني فحطمت ذلك الوعاء وأرسلت بركته على رأس الشيخ!
ودخل شاب قوي البنية، بادي الجرأة، فما دنا من الشيخ حتى صرخ الشيخ في وجهه يطرده ويصيح به: أيها العاصي، ابعد عني. وتوسل الشاب إليه حتى سمح له بالجلوس، وأمر الشيخ دراويشه، فطردوا ذلك الفتى ورفعوا رجليه على نحو ما فعل معلم الصبيان في المكتب، وتناول الشيخ عصاه وهم يضربه. فاستجار الفتى بالنبي، فألقى الشيخ العصا وهم واقفاّ، ثم أمر أعوانه فأطلقوه، وأخذ عليه الشيخ العهود والمواثيق ويده على المصحف، ثم صرفه والناس يعجبون كيف عرف الشيخ أنه شقي، ونسوا أن للشيخ دراويش هم مصدر علمه اللدني العجيب
وجاء بعد ذلك أمر حيرنا معاّأنا وصاحبي، وحار منظاري حتى كدت أشك أن الشيخ قد أفسد عليً بكراماته سحره، فقد جيء للشيخ بأربعة فتيان متهمين في سرقة فجلسوا أمامه يرتعدون فرقا وكلهم ينكر ما نسب إليه، ولما يئس منهم الشيخ طلب بيضة بطة أو أوزة فذهب صاحب الدار ليحضرها ولما عاد بها قابله أحد الدراويش عند الباب وأخذها منه، ثم وضعها في جيبه حتى طلبها الشيخ فأخرجها وأعطاها إياه أمام أعيننا ووضعها الشيخ تحت يسراه، ثم قرأ وقرأ وقال إنه سيرفع يده فتتجه البيضة إلى السارق، ونظر في وجوه الفتية فأصروا على إنكارهم. وما كان أشد عجبي وعجب الجالسين جميعاّ أن رأينا الشيخ يرفع يده فتظل البيضة في مكانها بضع ثوان، ثم تبدأ تتدحرج وتقف، ثم تتدحرج وتقف، وعظم خوف السارق بطبيعة الحال، وقبل أن تنحرف البيضة إلى من سرق أخذخا الشيخ وقد بعدت عنه نحو ثلاثة أذرع وأمر الفتية أن يخرجوا فيفضي من سرق منهم بسره إلى من يرسله معهم من الدراويش، وعاد ذلك الدرويش بعد قليل يحمل المصاغ المسروق!
وأقبل من في الحجرة على الشيخ يقبلون يديه، ونظر إلى صاحبي وقال في لهجة عجيبة: