بأن هذا أمر لا يعرفه إذا لم تكن له به سابقة علم، بينما يعبر المرصفي بقوله:(كذب المبرد في هذا)، و (المبرد في هذا كاذب) دون تورع عن هذا التعبير الجاف الجافي
إن الأستاذ السباعي لم يقل عن المرصفي إلا أنه كان يملكه الغرور؛ والمرصفي ذاته يسجل على نفسه هذا في كل ما كتب خاصة في مقدمة (رغبة الآمل وأسرار الحماسة)، وكأنه لا يعترف لأحد سواه بعلم من المتقدمين أو المتأخرين
والأستاذ السباعي في حديثه عن المبرد وما يتصل به إنما يصدر في ذلك عن دراسة بعيدة الأمد؛ فهو قد كتب (تهذيب الكامل) من أكثر من عشرين سنة؛ ثم كانت طبعته الأولى سنة ١٩٢٣. فهل يستطيع الزميل أن يريني مظاهر الأستاذية بعد أن يعلم أن الطبعة الأولى من رغبة الآمل كانت سنة ١٩٣٠، وأن فهارس الكتاب وعناوينه تتفق إلى حد كبير مع تلك التي كان أستاذنا السباعي أول من نظمها في كتابه الذي سبق كتاب المرصفي بنحو سبع سنين. أم أن الأمر لا يعدو أسبقية الزمن فيحكم الزميل بهذه الأستاذية في سذاجة سطحية
إن الكمال العلمي لا يهتم كثيراّ بالتوافه، وإن السماحة الفكرية في دار العلوم تسمح بكل شيء إلا التهجم والنيل المستور بستار من الغيرة أو الحماسة للعلماء
عبد الرحمن أيوب
القصص
من أيام الصبا
للأستاذ محمود البدوي
كنا خمسة. . . خمسة من الشبان المتمردين على الجماعة والخارجين على حدود الناس، والذاهبين مع مرح الشباب ولهوه. . . كنا قد انقطعنا عن المدرسة، وتخلفنا عن الرفاق، وسرنا مع نزق الشباب وطيشه، فطردنا من الأهل وحرمنا من الصحب، وتقطعت بنا الأسباب. . . وذهبنا على وجوهنا نبغي العيش من التصعلك والتشرد وركوب متن الأهواء. . . ثم ارتددنا على أعقابنا، وضمتنا القرية الحبيبة بعد طول شتات. . . فانطلقنا نعمل في الحقول ونشرف على حراسة المزارع. . .
وكانت الأيام المشردة قد مسحت ما على أجسامنا من غضارة المدينة ولينها، فالتفت سواعدنا واشتد عودنا، وأصبحنا أقوى ساعداّ وأعظم قوة من هؤلاء الريفيين الذين يقضون