حياتهم بين أحضان الطبيعة، ناعمين بالحياة الحرة، في الهواء الطلق، والجو المشمس. . .
كنا جالسين في حقل من حقول المزرعة وحولنا الأجران، والليل ضارب بجرانه والصمت رهيب. . . وكنا قد تأخرنا عن زمن الحصاد، فحرمنا بذلك من أمتع (أيام الصبا) ولهوه. . .
كنا نقف وراء صفوف الحاصدين ونرقب هذه السواعد القوية وهي تطوي سنابل القمح طياّ، وخلفنا الفتيان الأشداء يكومون الأحمال وينيخون الإبل، ونساء الفلاحين يلتقطن السنبل الساقط، ويجمعن قوت الأيام السود. . . وكنا نزجر العجائز الدميمات منهن، وندع الصبايا الجميلات يتوغلن حتى الحقول. . . كانت أسواطنا تخطىء دائماّ. . . ومع ذلك، فما قطعنا القلوب حسرات، ولا ندمنا على ما فرط منا من إثم. . . كنا ذاهبين مع الصبا بقلوب نزقة، لا نحسب لأوضاع الناس حسابا. نتخذ من عطلة الصيف وأيام الحصاد مرتعا خصبا لشبابنا الجامح وعواطفنا الجائشة. . . ونظل النهار بطوله واقفين في قلب المزرة تحت لفح الشمس، لا نكل ولا نمل، لأننا نرى في كل ساعة وجها فاتناّ صبوحاّ من تلك الوجوه القروية النضرة التي تستغرق الطرف، وإن كانت تعيش في ظلام الفقر وبؤسه. . .
فاذا أقبل العشى انطلقنا وراء الإبل المحملة بالقمح، وخلفها الجمالون يحدونها بأصواتهم الشجية. . . حتى نبلغ الأجران، فتناخ الإبل، وتفك عنها أحمالها، وهي تهدر هديراّ قوياّكان يبعث فينا النشاط والحماسة والقوة. . .
فإذا تمت الأجران وعلت كالأطواد اتخذنا من ظلالها
جائزة بابا نويل
ذكرتني مقالة (ذوي السلطان) في بعض أعداد الرسالة الأخيرة بعظيم آخر من المتعاقلين المتعالين كنت مرؤوساّ له يوم نشرت ترجمتي لأقاصيص طاغور، وقد أهديت نسخة منها إليه بمحضر من بعض أصدقائه
قال وهو يتعالم:(طاغور هذا رجل عظيم)
قلت:(هو ممن حازوا جائزة نوبل)
وما كدت ألفظ بكلمة نوبل حتى بدت عليه علائم خيبة الأمل فيً وقال في صوت شديد الدلالة على الأسف:(أو أنت أيضاّ تنطقها بالباء)