للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

درس أسرار القصور، وفحص أخلاق الحاكمين والمحكومين.

ومن المؤكد أنه كان يجب أن يكون في تاريخ العرب شاعر من هذا الطراز الفريد، فالمتنبي إذا من الحجج البواقي على أن الشاعرية العربية موفورة الحظ من تنوع الطعوم والألوان.

ملاحظات

لا يتسع المجال لعرض ما أجاد العقاد وهو يدرس المتنبي، ولكن لا مندوحة من تقييد بعض الملاحظات، لأن لذلك فائدة في تشويق الطلاب إلى النقد الأدبي.

١ - قال العقاد: (مما لوحظ على المتنبي ولعه بالتصغير في شعره إلى حد لم يُروَ عن شاعر غيره) فأرجو أن يذكر العقاد أن أعظم الشعراء ولعاً بالتصغير هو ابن الفارض، وقد فصلت ذلك في كتاب (التصوف الإسلامي) فلا أعود إليه في هذا الحديث.

٢ - حكم العقاد بأن عنصر المتنبي كان (بدعاً في العصور العربية) وقد قال مثل هذا القول في عصر ابن الرومي، فأي قولَيْه نصدَّق؟

٣ - حكم العقاد بأن المتنبي (لم يفارق كافوراً إلا باختياره) فما حيثيات هذا الحكم، وفي أي كتاب قرأ أن الرجل يرحل عن بلد يحبه في ليلة عيد؟ وكيف غاب عن العقاد أن المتنبي لم يفارق كافوراً إلا بعد أن أصبحت حياته تحت رحمة العيون والأرصاد؟

٤ - قضى العقاد بأن المتنبي صفح عن أبى العشائر، وقد كلف أحد الخدم باغتياله وهو سار في ظلام الليل. فعلى أي سند قضى العقاد هذا القضاء وهو يعرف أن الضغينة أقوى خلائق المتنبي؟ أيكون أستند إلى أقوال من ترجموا للمتنبي؟ وكيف وهو يعرف أن تلك الأقوال يغلب عليها الإفك والتهويل؟

٥ - يرى العقاد أن التبحر في العلوم آفة يبغضها المتنبي، وحجته أن المتنبي يقول:

أبلغُ ماُ يطلَب النجاح به الطبع ... وعند التعمق الزلل

فهل كان المتنبي من الغفلة بحيث يقوهم أن التبحر في العلوم آفة إنسانية؟

هنا دقيقة لم يفطن لها العقاد، وهي ثورة المتنبي على (فيران المكاتب) كما يعبر الفرنسيون، و (فيران المكاتب) هم الذين يقولون ولا يفعلون، فإذا اقترن بالفعل، فتلك ظاهرة يرحب بها المتنبي كل الترحيب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>