للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كتب الأخبار والنوادر؛ وأحسبه كذلك سبباً فيما ألتزمه صاحب العقد ونبه إليه في مقدمته، وهو حذف الأسانيد فيما روى من أخباره

فإذا صح ذلك، كان العقد إلى جانب ما قدمنا من التعريف بمزاياه، مرجعاً لغوياً يمكن الاستناد إليه في بحث شيء من التطورات اللغوية لبعض معاني العربية بين الشرق والغرب.

صحيح أن بعض هذا الاختلاف في رواية بعض الأخبار قد يكون مرجعه رواة الكتاب نفسه وكتبَته ونساخه، ولكن ذلك إذا صح في قليلها لا يصح في سائرها؛ وقد نبهنا في هامش هذه الطبعة إلى كثير من أنواع هذا الاختلاف، فليرجع إليها من شاء للنظر والاستدلال.

بقى أن نسأل: لماذا قصر ابن عبد ربه كتابه على أخبار المشارقة وهو من هو علماً وتحصيلاً ومعرفة بآداب قومه، وقرطبة هي ما هي في ذلك العصر الزاهر في الأدب والعلم والفن والسياسة؟

تعليل ذلك سهل ميسور لمن يعرف تاريخ ذلك العصر في قرطبة وبغداد حاضرتي البلاد العربية في الغرب والشرق.

لقد كان فرار عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان إلى الأندلس بعد سقوط الدولة الأموية في المشرق، محاولة جريئة لإقامة حكومة أموية في المغرب بإزاء الحكومة العباسية في بغداد؛ ولقد حالف التوفيق عبد الرحمن الداخل فتم له كثير مما أراد، وأقام عرشاً لبني أمية في الأندلس يتوارثه بنوه سيداً عن سيد، كلهم يحرص على النهوض بدولته إلى المنزلة التي يجعلها تناظر بغداد؛ فمن ذلك كانت المنافسة بين الدولتين في الشرق والغرب دائبة لا تني، وكانت الوفود لا تفتأ ساعية بين الحاضرتين، فلا يظهر جديد في بغداد حتى يكون نبؤه في قرطبة، ولا ينجم نجم في قرطبة حتى يذيع خبره في بغداد؛ واتخذت المنافسة بين الدولتين مظهراً علمياً يبدو أثره فيما كان من اهتمام المغاربة بالرحلة إلى الشرق للتزود من معارفه، وفيما كان من تطلع المشارقة إلى الأندلس ليعرفوا كل جديد من خبره وما أحدث علماؤه وأدباؤه في مختلف فروع المعرفة.

على أن المغاربة مع ما كان فيهم من اعتداد بأنفسهم وعصبية لبلادهم لم يكن منكوراً لديهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>