للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على تناقضها واختلاف الانفعالات المتصلة بها ذات قيم عنده؟ أم هي ملاه وسلويات لذلك النوع المدلل في الأرض تموت معه وليس لها في سجل الوجود أثر بعده؟

إن تصورنا فناء عالم الأفكار العظيمة الرائعة التي تتداول عقول الإنسانية كاف وحده أن يقذف في قلوبنا الإيمان بوجود عالم ثان وعقل آخر يحصى ذلك الحصيد ويجني ذلك القطاف العجيب الناتج من ازدواج الحياة المادية والروحية في الإنسان

أسرتان اثنتان من أفكار الإنسان هما الباقيتان فيما أرى على وجه الزمان في سجل الأرض:

أسرة الأفكار الخلقية وأسرة الأفكار العلمية التجريبية. . .

والأسرة الأولى هي التي سددته إلى غايته وهيأته للخلافة في الأرض، وتحدرت في أعصابه، وأيقظته إلى سموه، وجعلته ذا قيمة لدى نفسه. . . والى تلك الأسرة ينتمي الدين، ومنها انفتحت أبواب السماء للإنسان ونزل إليه وحيها

والأسرة الثانية هي التي مهدت له طريق الحياة المادية، وسلطته على الطبيعة يرتفق منها مرافق حياته ما وسعته الطاقة، وهي التي أنمت ثقته بنفسه وأظهرت آثار وجوده وجعلته متصرفاً في المادة بما لا طاقة لغيره من الأنواع به. . .

والأسرة الأولى كانت الأساس في بناء الحياة المدنية وإتاحة الفرصة للفرد أن يفكر ويعمل لخدمة المجموع في حماية القوانين والمعاهدات، وكانت الأساس في توجيه روح الفرد إلى المثل العليا وبناء سيادة الإنسان. . .

وقد استصبحت الإنسانية بأنوار الأنبياء بناة الأخلاق قبل أن تستصبح بأنوار العلماء بمئات القرون. . . وكانت الأخلاق للحياة بمكان الأمومة الرحيمة تنمو في رعايتها وتشب وترشد. وكانت العلوم بمكان الأبوة الساعية الجاهدة. . .

فالأرض مدينة لنوعين من الرجال: الباحثين في أطواء الروح الإنسانية، المستخرجين منها وسائل طمأنينتها، السباقين إلى أدراك سموها وتفردها، الواضعين لها أسس قيمها الذاتية، الرائدين بأبصارهم وبصائرهم كل أفق في الأرض والسماء، المستنزلين لها أسرار السماء بالإخلاص والبكاء. . . وهم لا شك الأنبياء والأصفياء الذين لم يقفوا عند حدود الكثافات والسدود والقيود المادية، بل ارحبوا وأفضوا فأتوا بالخير والتفاؤل والاطمئنان

<<  <  ج:
ص:  >  >>