إلى النوابغ والعبقريين بارتياب واحتراس، ثم يشدهم بعنف ليقيموا حيث أقام في حضيض الغفلة والجمود.
في أوربا وأمريكا يتلهف الناس إلى المبتكر الطريف في الآداب والفنون، فيمضي الأديب إلى غايته وهو مطمئن إلى السلامة من تجني المجتمع عليه، فكيف ترى الناس يصنعون في (أفريقيا وآسيا) أو في (مصر والشرق) وقد أقفِل باب الاجتهاد في الأدب، كما أقفل باب الاجتهاد في الدين.
كما ظفرنا به من الحرية
في الأدب هو الجدال حول القديم والجديد. وقد ظهر بعد أن انجلت المعركة أن الخلاف لم يَدُر إلا حول الأسلوب، ففلان من أنصار الجديد لأنه لم يستأسر لمثل أسلوب الجاحظ أو ابن العميد، وفلان من أنصار القديم لأنه لم يتحرر من أساليب القدماء.
أما التجديد في الفكر، فهو محرمٌ علينا تحريماً قاطعاً. وليس من حقنا أن نصارع الأمواج الفكرية إلا إذا جازفنا بحقوقنا المشروعة في التمتع بثقة المجتمع، وهو لا يثق بنا إلا إن جاريناه فيما درج عليه من إيثار القرار والركود.
وليس هذا شهادة على أننا خضعنا لأهواء المجتمع فيما نعالج من فنون الفكر والعقل، فقد ثُرنا عليه في كثير من الظروف لنوجهه كما نريد، ولكن تلك الثورة لم تمر بلا عقاب، فقد رأينا أن المناصب الفكرية أصبحت وقفاً على الموسومين بمسايرة المجتمع في ضلاله وهداه، ولم يصل إليها من أحرار العقل إلا أفرادٌ آزرتهم قوىً سياسية لا فكرية. ولو كان العقل وحده هو الذي يقدِّم ويؤخر لرأينا في مصر والشرق موازين غير تلك الموازين، ولكان من المؤكد أن تشهد مصر ويشهد الشرق موسماً جديداً من مواسم المذاهب والآراء.
إن رئيس الحكومة يستهدي جلالة الملك ألقاب التشريف لمن يتبرع بمبلغ من ماله الموروث لإحدى الجهات الخيرية، وذلك تشجيعٌ واجب، وهو يحض الأغنياء على بذل أموالهم في أبواب الخير، ويروضهم على الاقتناع بأن الدولة ترعى الضمائر اليواقظ، فتجزيها خير الجزاء.
ولكن الدولة التي تحفظ جميل المحسنين بأموالهم تنسى المحسنين بعقولهم، وإلا فهل تذكر الدولة جماعات المكافحين في سبيل الأدب والبيان وهم يؤدون خدمات تعجز عنها المدارس